آراء

إبراهيم عثمان يكتب: سر المحفل

يخطئ من يظن أن تصريحات السادة الوزراء وداعميهم من “المفكرين التنويريين” تأتي عفو الخاطر وبدون تنسيق وتربيط وتدبير مسبق، ويخطئ من يظن أن هذه التصريحات والمواقف والأفعال الصادمة تمثِّل انشغالاً من قادة قحت عن تدبير أمر المعاش، فقد حملها حمدوك معه إلى أمريكا كشهادة براءة من الإسلام غير المرغوب فيه غربيا، وشهادة اعتماد لنسخة لايت من الإسلام تستوفي الشروط الراندية للإسلام العلماني المعتدل المسموح به غربياً .

يخطئ من يظن أن صدفةً ما هي التي جعلت أمر المناهج في يد رجل قال قبل سنوات في ندوة في كندا ( النبوة بعد محمد لن تجد أفضل من محمود حاملاً للوائها . ولو مات محمود فنحن صحابته نفتح ونبشِّر برسالة الإسلام الثانية التي بشَّر بها.. نصيحتي هي ألا نسعى لمنصب غير وزارات الثقافة والتعليم، يجب أن نربي النشء بأفكار الأستاذ “محمود محمد طه” ونجعل المناهج صورة حية من عقل الأستاذ) !! ..

ومخطئ من يظن أن صدفة ما هي التي جعلت ندوةً لإحياء  ذكرى محمود محمد طه تتحول إلى مناسبة لتكريم الملحدين، فتعلن الملحدة المجاهرة نهلة محمود  في بدايتها لجمهور المناسبة أن هناك مكاناً مخصصاً لمن يمكن أن يحرجهم التصوير، ومخطئ من يظن أن الصدفة وحدها هي التي جعلت ياسر عرمان من “الشجعان” الذين يختارون الظهور أمام الكاميرا .

ومخطئ من يظن أن صدفةً ما هي التي جعلت المنظم لندوة إحياء ذكرى محمود محمد طه وتكريم الملحدين هو محمد محمود صاحب كتاب (نبوة محمد التاريخ والصناعة) الذي احتفى به العلمانيون في العالم العربي عموماً وفي السودان خصوصاً، والذي يقول في مقدمته (ننطلق في كتابنا هذا في النظر لنبوة محمد وللنبوة عامة من افتراض أولي مؤداه أن النبوة ظاهرة إنسانية صرفة، وأن الإله الذي تتحدث عنه النبوة لم يحُدِث النبوة ويصنعها وإنما النبوة هي التي أحْدَثَت إلهها وصنعته) !! ويختمه بقوله ( والصورة الناصعة والكاملة التي قدّمها المدافعون عن النبوة لأنبيائهم ولّدت واقع تشوه وانقسام أخلاقي عانت منه كل المجتمعات المؤمنة بالنبوة وتعاني منه حتى يومنا هذا، إن الدفاع عن النبوة والأنبياء استلزم في الماضي ويستلزم في الحاضر الدفاع عن الإله الذي صنعته النبوة، إله الثنائية الأخلاقية التي شملت الإقصاء والتمييز والعنف، ويستلزم الدفاع عن عنف الأنبياء ( وكل أفعالهم حتى اللاأخلاقي منها)، ويستلزم الدفاع ليس فقط عن العنف الذي مضى وإنما أيضاً العنف الذي سيأتي (حسب الخيال الديني) عندما يفتح الإله أبواب جحيمه الأبدي. وسيبقى واقع التشوه والانقسام الأخلاقي المرتبط بالنبوة حياً طالما بقيت النبوة حية في عقول الناس وأفئدتهم، ولن يزول إلا عندما تموت النبوة وتتحرر عقول الناس وأفئدتهم من ذاكرتها وعبئها وميراثها) !! ص ٤٥٠

مخطئ من يظن أن الصدفة هي التي جعلت د.حيدر إبراهيم علي يحتفي بهذا الكتاب ويقرِّظه، وأن يدافع عن صاحبه – في سلسلة مقالات بعنوان “في سؤال العقل في الفكر السوداني – خصصها للرد على د. خالد موسى دفع الله الذي كتب عدة مقالات في انتقاد الكتاب، وقد رد د. حيدر على إتهام د. خالد لمؤلف الكتاب بأنه يريد هدم الدين بقوله ( لا يعني تجاوز الدين -بالضرورة- احلال دين جديد أو اصلاح الدين القديم وتجديده، بل قد يعني رفضه  أو حتى هدمه . فناقد الدين لا يقوم -حتماً- بمهمة المبشر أو الداعية لدين جديد أو مذهب آخر . ولهذا لا معنى لوصف الناقد بأنه يريد تجاوز الدين أو هدمه، فقد يكون هذا هو الهدف الأصيل للناقد )!!

مخطئ من يظن أن صدفة ما هي التي جعلت مركز الخاتم عدلان هو مكان التقاء وزير التعليم العام ومدير المناهج الحاليين لأول مرة ليختار الوزيرُ الشيوعي مديرَ المناهج الجمهوري، ومخطئ من يظن أن صدفةً ما هي التي أدت إلى  إشادة الجمهوري د. الباقر العفيف بموقف الخاتم  ممن حاولوا تلقينه الشهادتين قبل وفاته، فقد كتب في تقديمه لكتاب الخاتم عدلان بعنوان “ما المنفى وما هو الوطن؟” الصادر بعد وفاة الخاتم عدلان:  (كان مفكرا صاحب فلسفة في الحياة متكاملة. وكان منسجما مع نفسه ومع رؤيته الكونية، والمبادئ المنبثقة منها حتى آخر لحظات حياته. كان فيه شئ من الغريب، جعله في نواح معينة، غير مفهوم حتى بالنسبة لأقرب الناس إليه.

فموقفه الفلسفي المتكامل حول الوجود، ومعنى الحياة، ومكانة الإنسان فيه، لايجد القبول من الكثير من أهله وذويه، وكانوا يريدونه أن يتراجع عنه، وهو على عتبات الموت .. هذا الطلب كان يسبب له الضيق، وقد حاول جهده أن يصرفهم بالطرق الدبلوماسية الودية. كان يتفهم موقف هؤلاء، لأنه يدرك أنه ينتمي لمجتمع معجون من طينة الدين، وهو مجتمع بسيط ومتخلف اجتماعيا، يحمل أفراده تصورات تبسيطية عن الدين، وعن الحياة الآخرة، والجنة والنار، وحسن الخاتمة .. لذا لما لم تُجدِ الدبلوماسية في صرفهم عنه، ولما اشتد حصارهم عليه، اضطر لزجرهم وطردهم من حضرته القدسية الحقة.

فعل ذلك وهو يوشك على الاحتضار .. وتحت تأثير المورفين .. ينوم ويصحو .. صدره يعلو ويهبط ..

يذهب فيما يشبه الإغماء ويعود ..

بذل جهدا خارقا ليجلس .. وكان راقدا على قفاه .. فأعناه على الجلوس .. كان غاضبا حقا .. ألقى علينا درسه الأخير .. أدان ما اعتبره محاولة للاغتيال المعنوي ..مشيرا للمتهمين بأسمائهم ..أشهدنا جميعا على موقفه .. وحملنا مسؤولية نشره “)

كله مرتبط بكلِّه،  علم ذلك من علمه ورضي به، وجهله من جهله وأطمأن لذلك، وتجاهله من تجاهله من أصحاب الغرض في العهد الذهبي للغتغتة والدسديس.

زر الذهاب إلى الأعلى