العيكورة يكتب: السبت الاخضر.. والدمام الف كيلو

السبت الاخضر .. و الدمام الف كيلو

صبري محمد علي (العيكورة)

كِدتُ (أشرق) من الضحك وأنا أرتشف كباية (الشاهي المنعنع) و أتابع قناتي (العربية) و أختها الحدث و)الجزيرة( وتوأمتها المُباشرة و هما يغطيان وجههما عن رؤية مسيرة الزحف الاخضر السبت الماضي تماماً كما كان يفعل صديقنا صلاح التوم من ابناء الزومة كان يقود سيارة بين جدة و الدمام وكان يمُرُ بلوحة ارشادية كُتب عليها (الدمام 1000) كيلو يقول انه كان يُغطي وجهه بالشال حتي لا يقرأها . وهكذا فعلت الجزيرة والعربية سواءاً بإغماض الكاميرا أو (بزحلقة) الخبر الي الوراء او بتعمُد زوايا التصوير الباهته (مشّي حالك) و ما جعلني ارفع حاجبي فوق حدّ الدهشة الفارق الكبير في مصداقية النقل ومحاولة تقزيم الحدث الذي ظلت تتعمده القناتان فبينما قنوات اخري صادقة نقلت المسيرة بمهنية متجردة من كل غرض كانت (امورات الخليج) تحاولان عبثاً تغبيش الحقيقة بحالة من الارباك و (الجهجهة) بلغت ذروتها عندما اعلنت (العربية) الحكم علي الرئيس البشير بالسجن عشرة سنوات قبل ان تنطق المحكمة بالخرطوم بكلمة! و كما يقال في مثلنا الشعبي (الما بدورك في الضُلُمّة بحدّر ليك) . مقطع آخر نُشر بالوسائط لمراسلة قناة الحدث تُنصب لها الكاميرات استعداداً للتصوير بعد أن انفضّت المسيرة و خلت الشوارع من المتظاهرين ! تُري ماذا تُريد أن تقول لمتابعي قناتها ؟ أترك لك عزيزي القارئ حٌرية الاجابة عن الهدف والمقصد (النبيل) لهذه القناة .
في ادبيات السياسة السودانية لم تعُد كلمة (مليونيه) تعني الا رقم تعبوي فقط سوي مليونيه واحدة سيّرتها الجبهة الاسلامية ايام حكومة الصادق المهدي اواخر الثمانينيات من القرن الماضي قدّرها الامريكان انها قاربت المليونين بطريقة حساب المساحة و عدد الاشخاص الذين يمكن ان يستوعبهم المتر المربع الواحد وهذه طريقة اصبحت مُتاحة حالياً عبر التصوير الجوي . فمُعظم من تابع مسيرة الزحف الاخضر اجمع انها لم تكن مليونيه (رقماً) ولكنها ليست بالعدد المهيض و لا يُمكن الاستهانه بها و تظل تعبيراً وصوت وطن يجب ان يصل لصانع القرار و مهما حاول الكثيرون ان يختصرها في النظام السابق . فالحشود المتدافعة من كل الوان الطيف السياسي بالسودان قد راها الجميع عدا (اليسار) الذي بدأ قلقاً قبل انطلاقها بايام وقيل انه هرول يخصف عليها من ورق الامن يطلب منعها ولكنه قوبل طلبه بالرفض.
المسيرة أرسلت عُدّة رسائل داخلية وخارجية فالاولي كانت تُطمئن الجيش والشرطة والمكون الامني عموماً و تثمن دورها بعد ما أصابها من قبيلة (قحت) من استفزاز و محاولات الاغتيال المعنوي الفاشلة و رسالة اخري لحكومة السيّد (حمدوك) مفادها أن (للصبر حدود) في ظل تفاقم الضائقة الاقتصادية و حالة الاقصاء الممنهج من الخدمة المدنية والاستفزاز الديني الذي ظل يمارسانه (القرّاي ونصر الدين) و رسالة اخري مفادها أن الاسلاميين بالسودان اكبر من ان (يُحشروا) في عباءة (الكوزنه) فما اخرج الناس يومها الا دينهم ولقمة عيشهم وضيقهُم بالحكومة و لم يكن (الكيزان) الا جزءاً من الحراك ، أيضاً تحدثت (المنصّة) أن هذه المسيرة تحمل الرقم (واحد) وبالطبع هو عدد صحيح لا نهاية له في علم الرياضيات وهذا مُؤشّر أن (الحج) للخرطوم قد يتكرر مرات اخري ان لم تصحو حكومة حمدوك ، كذلك قشعت هذه المسيرة حالة الخمول و التثآب عن بعض المحسوبين علي التيار الاسلامي بخروجهم ضمنها وان كانوا لم يتبنوها و ان بدأ للمُتابع ان هُناك ترتيباً دقيقاً ادي لأخراجها في ثوب مُتحضر راقٍ بلا إساءات أو اتلاف للممتلكات العامة والخاصة ، رسالة مُهمة و هي ان السودان يحتاج لمصالحة وطنية حتي يعبُر سنوات الانتقال بسلام . تأكيد الفريق البرهان في لقائه مع احد القطاعات العسكرية ان مهمتهم حماية الثورة و (ايصال الناس لصناديق الاقتراع) تصريح مُريح يؤكد علي قومية القوات المسلحة و وقوفها علي مسافة واحدة من الجميع و إن كان (برأيّ) انه (أي التصريح) قد يُصيب بعض الجهات بسوء الهضم لانهم يُدركون جيداً أن الانتخابات لن تأتي بهم و لا يتمنونها قريباً كما قال قائلهم (الانتخابات ما بتجيبنا) !.
أما رسالة السبت الاخضر للخارج فهي أن أهل السودان هم رُسل سلام ومحبة و أن اسلامهم مُبرأ من الارهاب والفتن و ان صفعةٍ ما في وجه امارة خليجية لم تعُد تؤلم السودان كما كان و أن الفترة الانتقالية رغم هشاشتها يُمكن عُبُورها بتوافق اذا سلم الوطن من التدخلات الخارجية و محاولة البعض استغلال حالة الوهن السياسي والتردي الاقتصادي فنفوسنا عالية وحتماً الخرطوم ليست طرابلس وعلي العالم ان يعي ذلك ، حفظ الله لنا امننا واستقرارنا. و دمتُم بعافية

زر الذهاب إلى الأعلى