مناضلون كرزايات!

بقلم: إبراهيم عثمان

الأحزاب المتحولة

من المعلوم بالضرورة أنه كانت لحزب البعث مواقف قوية ضد تدخلات الغرب في المنطقة وعقوباته ومحاولاته لتركيع الشعوب في فترة حصار العراق الذي انتهى إلى احتلاله.

وكانت أكثر مواقفه حدة ضد كرزاياته/طابوره الخامس الذي يتولى مهمة إفشال المساعي الوطنية لإقامة علاقات متوازنة لتبادل المصالح، ومهمة توفير الغطاء الوطني للوصاية الأجنبية.

هذا الموقف كان من الوضوح بحيث لا تحتاج إلى سؤال أي بعثي لتعرف إجابته:

هل ربح العراق أم خسر من التدخلات الغربية؟ وهل أعاد كرزايات العراق بلدهم إلى العالم وجلبوا له عطاياه أم باعوا موارده وسيادته وكرامته؟. 

هذه الخلفية كان ينبغي أن تجعل حزب البعث -فرع السودان محصناً ضد التيعية واستجداء تدخلات الغرب تحت أي ظرف من الظروف.

لكن غير المتوقع هذا قد حدث، والحزب أصبح يقوم بالدفاع عن تدخلات الغرب وتجميلها والزعم بأنها خير محض، بمنطلقاتها وغاياتها.

بحيث أصبحت الرسالة الأهم التي يرسلها إلى الشعب السوداني هي: أمامكم خيارين لا ثالث لهما:

نحكمكم فيرضى الغرب وتتدفق المعونات والمنح والعطايا، أو يحكمكم غيرنا فتتوقف جملةً وتحل محلها العقوبات. 

من بين حلفاء البعث من هم كرزايات بطبيعتهم فكراً ومزاجاً وسلوكاً، لكن من بينهم أيضاً من حدثت لهم تحولات شبيهة بتحولات البعث كالشيوعي مثلاً.

وتحولات هذه الأحزاب تحتاج إلى تفسيرات تردها إلى أسبابها، وهذه في تقديري بعضها: 

▪️ رفض التدخلات والسيطرة الغربية ليس موقفاً مبدئياً عند هذه الأحزاب المتحولة، وإنما كان موقفاً طارئاً أملته ظروف المدافعة في بلدان التجارب الأم، على عكس الحال في البلدان التي يعادي الغرب فيها أطرافاً غيرهم تتصدى لسيطرته، وتزعجه بأحاديث السيادة والعلاقات المتوازنة لتبادل المصالح بلا إملاءات. 

▪️ خسارة هذه الأحزاب لمعارك المواجهة في بلدان التجارب الأم جعلتها تميل إلى رفع الراية البيضاء أكثر من المواجهة، وتقرر الانتقال إلى الجانب الآخر من المعركة.

ومقابل إسقاط التجارب الأم بسبب الممانعة، تريد أن تحكم مقابل المسايرة أو التبعية الكاملة. 

▪️ هذه الأحزاب الصغيرة بهذه التبعية إنما تحاول تعويض نقص الوزن بأوزان مستلفة من الخارج، في شكل ضغوط وعقوبات عندما تعارض أو منح وعطايا عندما تحكم، على حساب سيادة البلد واستقلال قراره، وكلما كان الحزب أصغر كان الاعتماد على الاستلاف أكبر. 

▪️ هذه الأحزاب تعتمد في الداخل على القطيع الجاهل الذي لا يلحظ هذه التحولات، وينتقل بسهولة، مع هذه الأحزاب من رفض الإملاءات إلى اعتبارها المخلص. 

▪️ وجود نظام وطني شديد الحساسية من الإملاءات الغربية، وما سبَّبه ذلك من عداء غربي شديد، ومن الحاجة إلى قوى محلية بمواصفات معاكسة.

كما هو حال تدخلات الغرب في أي دولة له فيها كرزايات أكملوا شروط الولاء والطاعة وأثبتوا جدارتهم بحراسة أجندته. 

▪️فشل عقوبات الغرب وخططه المتنوعة لإسقاط النظام لفترة طويلة، وكذلك فشل مساعي المعارضة، وما صنعه ذلك من الحاجة إلى تكامل الأدوار لإنجاز المهمة، وما نتج عن ذلك من تبعية. 

▪️اختلال معادلة الاعتماد المتبادل لصالح الغرب أدى إلى عدم حاجة الغرب إلى فرض أجندته عبر الإملاءات.

ذلك لأن هذه الأحزاب أصبحت تبادر بطلب التدخلات وتتبرع بخدمة الأجندة ، وتجد ما تشرعنها به، وبالتالي يقل إحساسها بأنها ضحية إملاء. 

▪️ بعض الأجندة الغربية تتطابق مع أجندة هذه الأحزاب، خاصةً فيما يخص العلمانية والتغيير الثقافي والاجتماعي، الأمر الذي يقلل من إحساس هذه الأحزاب بالتبعية. 

▪️الفشل الذريع لهذه الأحزاب في إدارة الدولة، وما نتج عنه من زيادة الاعتماد على الغرب لحراسة النظام الذي يفتقد إلى شرعية الإنجاز . 

▪️الرعب من الانتخابات، والسعي إلى تصوير التحول الديمقراطي وكأنه يعني حكم هذه الأحزاب لأطول فترة بلا انتخابات ويقين هذه الأحزاب بأن الغرب يقبل بهذا ويدعمه وقناعتها بأن البعثة الأممية تصادق عليه وتدعمه.

وبالتالي تأييدها لمساعي البعثة لانتزاع صلاحيات إضافية بوضع اليد تجعلها تقترب من الصلاحيات التي منحها لها حمدوك في البداية. 

زر الذهاب إلى الأعلى