آراء

إبراهيم عربي يكتب: جمال عمر.. رحل كاتم الأسرار!

رحم الله الفقيد الفريق ركن جمال عمر وزير الدفاع السوداني بالحكومة الإنتقالية الذي وافته المنية صباح اليوم الاربعاء بجوبا بينما كان يؤدي واجبه رئيسا لملف الترتيبات الأمنية (المعقد) بمفاوضات جوبا.

 وقد أكد المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة العميد عامر محمد الحسن إن وفاة الرجل طبيعية إثر (ذبحة صدرية)، وقال أن التقارير الطبية أكدت ان (الوفاة طبيعية) وليست لها علاقة بأي عمل هنا اوهناك ، وقال إنها حدثت في ذات المنطقه التي يقيم فيها الوفد، وقد وصل جثمان الفقيد الخرطوم وربما يتم تشريحه قبل مواراته الثري في مقابر فاروق.

لا إعتراض علي حكم الله فالموت حق وهو سنة الحياة (انأ لله وانا إليه راجعون) ، غير أن هيئة تطوير منطقة حجر العسل والبسابير والتي ينتمي إليها الفقيد وعدة جهات مدنية وعسكرية وزملاء للفقيد طالبوا جميعهم بتشريح جثمان الفقيد تحت اشراف خبراء الطب بالمستشفى العسكري للتأكد من عدم وجود شبهة لوفاته المفاجئة درء للفتن.

لا أعتقد ان تلكم المطالبات قد إنطلقت من فراغ ، فالمنطقة (جنوب السودان ، يوغندا ، كينيا) تعتبر من أكثر المناطق تواجدا للمخابرات الدولية ومنظمات الأمن وشركات بيع السلاح وتقاطعات المصالح الدولية من شتي بقاع العالم وفيها ما فيها من الغموض ، لا سيما وان الفقيد قد عمل ببعض المحلقيات بسفارات السودان ومنها كينيا وكان ايضا قريبا عسكريا من ملف دولة جنوب السودان ومفاوضات السلام وقريبا ايضا من خلافات الأشقاء ، فضلا عن وجود الحركات المسلحة بالجنوب بتعدد فصائلها وانسلاخاتها وتحالفاتها وغيرها من الملفات الأمنية يكتم الرجل اسرارها جميعا.

وليس ذلك فحسب بل إرتبطت المنطقة بأحداث الطيران لكبار قيادات الجيش ، لا سيما حادثة طائرة النائب الاول لرئيس الجمهورية الزبير محمد صالح ورفاقه ووزير الدولة للدفاع إبراهيم شمس الدين ورفاقه والنائب الاول لرئيس الجمهورية وفق أتفاقية السلام نيفاشا الدكتور جون قرنق الذي سقطت طائرته ولا زال أيضا الغموض يكتنف الموقف ، لا زالت جميعها محل شكوك.

 ولعل المطالبات تريد حقا قفل باب الشكوك والهواجس والإتهامات والتي بدأت تشق طريقها الآن لا سيما بأن الفقيد جمال عمر ، ذهب في مهمة البحث عن السلام وهو رئيسا لملف الترتيبات الأمنية التي قلنا عنها من قبل إنها مليئة بالتحديات.

الفقيد جمال عمر رجل قليل الكلام ولا يتحدث إلا نادرا وهو رجل الإستخبارت القوي (كاتم الأسرار) ولعله يحتفظ بكثير من ملفاتها ، لاسيما بشأن الحرب في السودان والثورة وملابساتها من فض الإعتصام وغيره ، فالرجل عضو في عدد من اللجان التي تشكلت ما قبله وما بعده ، وقد أعيد للجيش عقب إحالته للمعاش في أواخر حكم البشير.

 وجاء لمنصب وزير الدفاع من بين عدد من المرشحين تباينت الرؤي حولهم وقد كان الفقيد وقتها عضوا في المجلس العسكري الانتقالي ورئيسا للجنة الأمن والدفاع ، وبلاشك يحمل الكثير من الملفات والمعلومات التي ظلت سرا ، لا سيما وأن هنالك (6) محاولات إنقلابية لازالت مكان غموص ، غير أن الفقيد رحل في وقت حرج تسير فيه البلاد في حقل من الألغام إلي عالم مجهول.

تصريحات الفقيد الأخيرة بذاتها تثير الشكوك حينما قطع بالانتهاء من ملف الترتيبات الأمنية مع الحركة الشعبية – شمال جناح عقار في الموعد المحدد له والمعلومات تشير إلي مفاجأة بشأنها اليوم الأربعاء.

 غير ان الرجل توقع ان يكون ملف الترتيبات الأمنية مع جناح عقار نموذجا لبقية حركات الكفاح المسلح من الحركة الشعبية – شمال جناح الحلو وحركة جيش تحرير السودان بقيادة عبدالواحد محمد نور للوصول لجيش قومي موحد بعيدا عن الانتماءات السياسية ، لاسيما وان هذا الملف شائك وفيه الكثير من التعقيدات وتقاطعات المصالح العالمية والإقليمية العربية الافريقية والداخلية ، وبل الداخلية الداخلية.

علي كل كشفت المصادر من جوبا أن الفقيد جمال عمر شوهد مع فريق التفاوض الحكومي في المطعم العاشرة مساء أمس يتناول وجبة العشاء وجلس بعدها بالكافتريا لتناول الشاي وعندها شعر الفقيد بحرقان فاستأذن وذهب إلي غرفته وطلب من الحرس ان يحضر له بعض الأدوية من الصيدلية.

 غير ان المفاجأة عند عودة الحرس وجد الفقيد في حالة بائسة فتم إسعافه إلي المستشفي إلا أن الموت كان سريعا فوافته المنية قبل دخوله المستشفي في الساعات الاولي من صباح اليوم الأربعاء.

إعتقد ان كافة الإحتمالات ممكنة لاسيما لرجل في مهام جمال وقد تجاوز الستين من عمره ، غير ان هذه الملابسات جميعها تترك شكوكا تتطلب الكشف عن ملابسات رحيل وزير الدفاع السوداني جمال عمر (أنا لله وإنا إليه راجعون).

زر الذهاب إلى الأعلى