د.مزمل أبوالقاسم يكتب : مستصغر الشرر

* ما يحدث في بعض أجزاء الوطن من اجتراء على السلطة الحاكمة، وأخذ للحقوق باليد، وانتهاكٍ متكررٍ لهيبة الدولة أمر بالغ الخطورة، يهدد استقرار الوطن، وينال من أمنه، وسيقوده إلى ما لا تُحمد عقباه.
* نتابع ما تفعله بعض لجان المقاومة بقلقٍ شديد، ونرى أنها اشتطت في أفعالها، وتجاوزت الخطوط الحمراء في سعيها لفرض مطالبها، بغض النظر عن موضوعيتها من عدمها، ومنها ما حدث في الحصاحيصا من تعدٍ على مباني المحلية، بطرد موظفيها وإغلاق أبوبها ومنع الناس من ارتيادها، بادعاء أن من يديرونها ينتمون إلى النظام السابق.
* التجاوز ذاته انتقل إلى العاصمة، فالفوضى سريعة العدوى، حيث اقتحم أعضاء إحدى لجان المقاومة مستشفى علي عبد الفتاح بالدروشاب، وأخرجوا المدير الطبي والإداري والموظفين، وأغلقوا المكاتب، مما أدى إلى إخلاء المرضى، ومغادرة الأطباء وبقية الأطقم الصحية للمستشفى، وفِي اليوم التالي تكرر الأمر نفسه في مستشفى حاج الصافي بالخرطوم بحري، باقتحام مكتب مديرها، ومطالبته بالاستقالة.
* لو انتشرت هذه الأفعال غير المسئولة وتمددت فعلى الوطن السلام، وهي محسوبةٌ قطعاً على قوى الحرية والتغيير، المطالبة بضبط منسوبيها، والسيطرة على أفعالهم وتحركاتهم، وإقناعهم بأنها تمتلك كامل القدرة والكفاءة اللازمة لإدارة شئون الدولة، وبالعدم عليها أن تخلي مسئوليتها عن تصريف الفترة الانتقالية، وتعلن عجزها عن الوفاء بالالتزامات التي قطعتها على نفسها بموجب الوثيقة الدستورية.
* نتساءل بحيرة، من تقاوم لجان المقاومة بعد أن سقط النظام الذي تناهضه، وآل أمر الحكم كله إلى قوى الثورة؟
* لماذا لا ترفع تلك اللجان مطالبها عبر التنظيمات التي تمثلها في التحالف الحاكم، كي يتحقق المعقول منها والعادل بنهجٍ سوي، بمعزل عن الفوضى التي تُمارس باسم الثورة، لتشكل أكبر خطر على مكاسب الثورة؟
* المستر علاء الدين يس، مدير مستشفى حاج الصافي الذي أهانوه وازدروه وحاولوا طرده من وظيفته من أميز نطاسي الجراحة في بلادنا، وقد أفنى زهرة حياته في تخفيف آلام المرضى، وتطبيب أوجاع المسحوقين، وتأهيل الأطباء، وتدريب الطلاب، موظِّفاً علمه وخبراته لتطوير مستشفى تسلمه (خرابة)، وحوله إلى أفضل مرفق صحي حكومي في العاصمة، لأنه يمضي غالب ساعات يومه في إدارة شئونه ومعالجة مشاكله، وتوفير مستلزماته الطبية، رافضاً إجراء أي عملية في مستشفياتٍ خاصة، لو تعامل معها لتحول إلى مليونير، كبقية الاستشاريين الذين يمارسون المهنة بعقلية (البزنس).
* مرتبه ينحصر في ثلاثة آلاف وخمسمائة جنيه، ولا يمتلك حتى اللحظة منزلاً يأوي أبناءه، ولم يعرف في حياته دروب السياسة، لأن وهب عمره كله لخدمة مرضاه ومهنته، وقد حاول وزير الصحة الولائي السابق طرده من منصبه، لأنه منع تدريب طلاب جامعة مأمون حميدة في مستشفى حاج الصافي بالمجان.
* تركوا الوزارة الولائية التي تدار حتى اللحظة بأمر أولاد مأمون حميدة، وتشطروا على من انبرى للوزير المستثمر، وقال في وجهه لا، فأي عدالةٍ تلك وأي منطق؟
* طبيب مقتدر، وعالم جليل بهذه الصفات، كيف يهينه صبيةٌ لا يعرفون قدره، ليطردوه من مستشفاه أثناء انشغاله بإدارة مرفقه والعناية بمرضاه، واستكمال إجراءات تقاعده من وزارة الصحة، بعد خدمةٍ طويلةٍ وممتازةٍ، امتدت أكثر من ثلاثة عقود، يستحق عليها التكريم والتحفيز، لا الإذلال والتحقير.
* صدق سيدنا علي الكرار رضي الله عنه عندما قال: (كم سيِّدٍ متفضِّل قد سبَّه من لا يساوي غرزةً في نعله).
* أوقفوا فصول الفوضى التي تهدد بتحويل بلادنا إلى غابة، يستأسد فيها القوي على الضعيف ظلماً بسند الثورة المفترى عليها.
* لو تواصلت الفوضى واستشرت هذه الأفعال غير المسئولة، وتمدد سرطانها بدمامله القبيحة في بقية أرجاء البلاد فستقودنا إلى حربٍ أهلية لا تبقي ولا تذر، فمعظم النار من مستصغر الشرر.
* الحرب أولها كلام، ومن أبرز مسبباتها غياب هيبة الدولة، وارتخاء قبضتها، وشيوع التعدي على سلطانها بادعاء تأمين الحقوق أخذاً (بالضُراع).
* لسنا في غابة، وعلى (الحرية والتغيير) أن تنهض بمسئولياتها، وتحسن توظيف طاقة شبابها في البناء والتعمير وإسناد حكومة الفترة الانتقالية بنهجٍ إيجابي، وبالعدم عليها أن تقر وتعترف بعجزها عن إدارة شئون الدولة، لتوكل أمر الحكم للجان المقاومة، كي تصبح دولةً داخل دولة، ونقرأ الفاتحة بعدها على روح السودان!

زر الذهاب إلى الأعلى