كوميديا لجنة تسيير نقابة المحامين

بقلم: طارق عبدالفتاح المحامى
1/ لم يفت على نقابة المحامين السودانيين أن تنتبه منذ اللحظة الأولى أن كل إجراءات حلها وتكوين لجنة التسيير الحكومية ، في الثلاثين من ديسمبر 2019 ، هي حزمة من الإجراءات غير القانونية بل والكيدية بتدبير وتخطيط وتنفيذ من خسروا انتخابات النقابة في الأول من يناير 2018.
متخذين من قانون ولجنة التفكيك حصان طروادة لدخول قلعة المحامين التاريخية، والمحصنة بقانون المحاماة والنظام الأساسي للنقابة والمواثيق الدولية المعنية باستقلال القضاء والمحاماة . قناعة النقابة الشرعية الراسخة ببطلان قرارات واجراءات الحل والتعيين ، جعلتها تصدر قرارا بالاجماع برفض تسليم دور وممتلكات وأموال وأوراق المحامين للجنة التسيير.
بل وحملتها المسئولية الكاملة عن كل ما ينتج جراء التصرف فيها ، فليس للجنة الحق أو السلطة أو الاختصاص ، ولا تحمل تفويضا أو توكيلا من المحامين ولو ( عقد الفضولي ) .. ببساطة ، اللجنة بشكلها وتشكيلها الحالي هي (بضاعة مزيفة ) مصيرها البوار والكساد ، و (المقلد) لا يحل محل الأصلي، طال الزمن أو قصر ! . وربما لهذا السبب أو غيره قابلتها جموع المحامين ( بوجه مسود وهو كظيم ).
2/ لم يعرف عن لجنة التسيير ، منذ دخولها دار المحامين المركزية ، أنها تسعى مجرد السعي ، لتحقيق مهمتها الكبرى وهي إنعقاد الجمعية العمومية للنقابة ،وإجراء الانتخابات وإختيار قيادة النقابة ديمقراطيا ، في مدى أقصاه تسعين يوما إنتهت في السابع والعشرين من مارس الماضي ، وقبل دخول البلاد في اغلاقات جائحة الكرونا.
إن مجرد السعي ، ولو شكلا ، كان سيسجل للجنة أجر النية، ولكن الواضح أنها تختزن نية أخرى وهي خيانة إرادة المحامين ورغبة لجنة التفكيك على حد سواء !!!.. لم تتكبد اللجنة عناء السعي ، بإصدار بيان أو إطلاق تصريح صحفي تبرر به فشلها في إجراء الانتخابات.. ولو فعلت ربما كان كافيا للتشويش على نواياها الأخرى ، أو ربما النوايا الحزبية الضيقة لبعض أعضائها !!
3/ تقدمت لجنة التسيير ببلاغ لدى نيابة التفكيك ضد النقابة الشرعية ، تتهمها بإنتحال الشخصية وإستخدام أوراق النقابة !! وهو مشهد يجمع ما بين الملهاة والمأساة، ولا عجب فإن شر البلية ما يضحك .. والبلية هي أفعال اللجنة أما ما يضحك فهو أن الورق المراد حمايته هو ورق النقابة وليس ورق اللجنة ، وما زال هو نفسه كما صممته النقابة ونفس الكميات التي طبعتها !!
لا تقصد اللجنة حماية ورقها الرسمي بل تريد ستر (عوارها) أمام لجنة التفكيك التي ربما تسائلها وتحاسبها على فشلها ، وبالطبع لا جواب عندها إلا أفعال النقابة ( المبادة ) التي سدت عليها الآفاق وأخذت منها الأوراق!! . ولا شك أن هذا هو نوع من أنواع الخداع والتدليس الذي تمارسه لجنة التسيير على لجنة التفكيك، ومن قبلهم على جموع المحامين ، الذين تعطلت مصالحهم جراء المعارك الوهمية التي تفتعلها من حين لآخر.
4/ لقد مضى الزمن الذي تستمد فيه نقابات المحامين شرعيتها من الحكومات مثل (الشرعية ) التي تستند إليها لجنة التسيير . وقد تواضعت البشرية على أن إرادة المحامين فوق أي ارادة سلطوية حكومية ، وأن نقاباتهم يجب أن تتشكل بمحض ارادتهم لا بإرادة الحكومات. وهذا ما نصت عليه المبادئ الأساسية لاستقلال المحاماة لسنة 1990 والاتفاقية الدولية للحريات النقابية لسنة1948 وعبر عنه وطنيا قانون المحاماة لسنة1983 والنظام الأساسي لنقابة المحامين ، إلى جانب عديد المواثيق العربية والافريقية.
هذا وذاك كله لحماية مبدأ من أهم أعمدة العدالة في أي بلد ، وهو استقلال المحاماة الذي يعد جزءا من استقلال القضاء وصنوها في المواثيق الدولية والإقليمية والدساتير الوطنية .. هذه المفاهيم أصبحت كالنار والماء والكلأ ، يشترك في الانتفاع بها وحمايتها الجميع على الصعيد الوطني والاقليمي والدولي . ولذلك كان رد الفعل قويا ضد قرار حل النقابة وتعيين لجنة التسيير في خواتيم ديسمبر الماضي.
فقد اصدر المكتب الدائم لاتحاد المحامين العرب قراره التاريخي في الثالث من يناير 2020 ، برفض قرارات الحل والتعيين ، وعدم الاعتراف بلجنة التسيير . وأكدت ذات الارادة بيانات رئيس الاتحاد والأمين العام التي صدرت على التوالي ، وخطاباتهما للسادة رئيس مجلس السيادة ورئيس مجلس الوزراء.
وعلى الصعيد الافريقي ، أصدر اتحاد المحامين الافارقة( البالو ) قراره التاريخي وخاطب به السيد رئيس مجلس السيادة والسيد رئيس الوزراء بمناهضة قرارات الحل والتعيين ، بل وتفنيدها باعتبارها انتهاكا صارخا لاستقلال المحاماة وحريات التنظيم النقابي ، وتراجعا خطيرا في التزامات الدولة السودانية بالمواثيق الافريقية، وعلى وجه الخصوص الميثاق الافريقي لحقوق الإنسان والشعوب لسنة 1981، فضلا عن الخرق الجسيم للنظام الأساسي المؤسس لاتحاد المحامين الافارقة . ودعا الاتحاد في قراره السلطات إلى التراجع الفوري عن قراراتها.
من الواضح أن الارادة الدولية ترفض فرض (الشرعية) على التنظيم النقابي للمحامين ، ولا تعترف إلا بالشرعية التي قررتها الجمعية العمومية للنقابة ، والتمثيل الديمقراطي الذي اختاره المحامون بحر ارادتهم.
هنا ينشأ السؤال : من أحق الناس بصحبة المحامين وتمثيلهم لدى النيابة والمحكمة وفتح بلاغات انتحال الشخصية واستخدام الاوراق الرسمية؟؟ لابد أن الاجابة واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار ،
ويجوز هنا أن نسأل المرة الاولى والثانية والثالثة ، من أحق الناس بصحبة المحامين ؟ ولكن لا يجوز أن نسأل الرابعة ، لأن لجنة التسيير لا يجوز لها أن تتجاوز الشهر الثالث دون اجراء الانتخابات.!!