د. عمر كابو يكتب : في المناقل كنا
كانت عقارب الساعة تشير إلى السابعة صباحًا حين انطلق وفد نقابة المحامين للمناقل مواصلةً لمنسوبيها وهو الموعد المحدد لبدء الرحلة؛ فمولانا عثمان محمد الشريف نقيب المحامين لا يترك للمصادفة موضعًا لتسييره ؛فهو من القلائل الذين يبذلون جهدًا خارقًا في تتبع تفاصيل الأمور خشية المفاجأة إحاطة إدارية متميزة تدعم وتساند بالرأي والتصويب والحكمة دون أن تنتقص من عزمك أو تحيلك لتنفيذي ليست لك بصمة أو قدرة على المبادأة والمبادرة والفعل والالتزام .
كان الحظ قد أسعدني بأن أكون مرافقًا للأستاذ الجليل والصديق الأثير عبدالرحمن عبدالله مساعد النقيب أمين أمانة دارفور والشمالية ونهر النيل الرجل الذي منحته المحاماة قدرة فائقة في فن السرد والحكاية والتسلسل المنطقي والأثير للأحداث ذلك ما أذهلني وهو يحكي من خلفيته الأنصارية وانتمائه القديم لكيان حزب الأمة كيف ضربت الجزيرة أبا من قبل الشيوعيين والقوميين في محاولة يائسة للقضاء على الإسلام الأصولي و الإرث الجهادي النبيل للمهدية والرجل شاهد عصر على تلك الوقائع (شوف عين) أذهلني العنف والسحل والعبث الذي اتبعته مايو في القضاء على أهله في الجزيرة أبا وكيف كانت الطائرات تقصف المنازل، تلك بحق كانت مأساة حقيقية توضح بجلاء كمية الحقد والغل والضغينة التي تميزت بها نفوس الشيوعيين وما زالت على العهد تجتهد في إشعال الحريق وجر البلاد لمزيد الفوضى وحمم الحريق دونما وازع من ضمير يقظ يذكرهم بقيم الإنسانية والشفقة والرحمة و دونكم ما تفعله الآن قياداتهم في البلاد.
لتستقبلنا مدينة المناقل بالبشر والترحاب وبقلوب ضحكت لنا قبل وجوههم ذلك ما لمسناه من سعادة مولانا القاضي المشرف على المحكمة والذي أكد عمق العلاقة الأزلية بين القضاة والمحامين والذين أشار إلى أنه يستحسن دومًا أن يخلع عليهم لقب القضاء الواقف؛ فبادله النقيب كلمات التقدير والثناء ثم من بعد ذلك وضع السيد النقيب حجر الأساس لدار المحامين وسط مشاركة واسعة من محامي المناقل معلنا دعمه وتبرعه السخي وسط التهليل والتكبير.
فجأة فوجيء الجميع أن ثلاثة المحامين جاءوا وفي معيتهم طلاب مرحلة أساس انضم إليهم عدد قليل من المارة وبدأوا يهتفون بسقوط نقابة المحامين ليجد هذا التصرف الأحمق استهجانًا من الجميع ومن المارة أنفسهم بل حاول بعض المواطنين الاشتباك معهم حين هتفوا في وجوههم (يا أولاد سيبوا قلة الأدب ديل ضيوفكم)، لكن أكثر ما أضحكني أن أحد سائقي الركشة كان يصيح ويهتف معهم وحين هممت لأركب العربة قال لي وهو يضحك ( هو هنا في شنو ؟) ابتسمت في وجهه ووجهته لأن يسأل من غرر به، قلت لرفقائي في السيارة هكذا هم اليسار يخادعون الناس وما يخدعون إلا أنفسهم ويحشدونهم ويجعلونهم (تمومة جرتق) تحت شعار (مغفل نافع).
أعجبتني مداخلات السادة محامي المناقل والذين اجتهدوا في أن ينفذوا إلى قضاياهم الخاصة والمتعلقة بكيفية تطوير مهنة المحاماة ورؤيتهم للنهوض بالمهنة في البلاد وإمكانية التنسيق مع النقابة الأم في مجالات التدريب والاستفادة من الامتيازات والخدمات بالدرجة التي تجعلها متاحة لكل محامين المناقل، في تقديري أن النقيب قد نجح هو ووفده في جذب الانتباه إليهم من خلال تفاعلهم القوي مع محامي المناقل؛ ولم ينس هو رد الفضل لأهل المناقل حين عمل فيها سنوات من عمره ووجد منهم كل الحب والتقدير.
في طريق عودتنا انتهينا إلى أن البلاد تمر بمنعطف سياسي خطير وأخطر مافيه أن عرى القانون تُنْقَضُ فيه عروة عروة ابتداءً بالزج بالمعتقلين السياسيين ثم التغيير والتعديل في الوثيقة الدستورية (ساكت كده رجالة ) ثم تمديد حالة الطواريء دون الإشارة للأسباب مما يعني بطلانها.
بصراحة تحتاج العائلة العدلية لمجهود جبار يعيد ثقة المواطن لمؤسساتنا العدلية التي لم تخلُ من تسييس منذ الاستقلال وحتى الآن ؛ومن هنا تأتي صرخة مدوية أن نبتدر مرحلة جديدة بإرادة أكيدة أن نضرب بجدار من حديد بين انتماءاتنا الخاصة وبين الوظيفة العامة التي نشغلها حتى لا تتأثر تلك المؤسسات بسبب سياسة الإقصاء التي حتمًا ستؤدي إلى عزل و تشريد لخبرات وطنية دفعت خزانة الدولة العامة ملايين الجنيهات من أجل تأهيلهم و تدريبهم، فلماذا نفقدهم لمجرد أنهم يخالفوننا الرأي ماداموا يؤدون وظيفتهم بحقها دون أن تؤثر في أدائهم المهني ميولهم السياسية؛ ربما قال قائل أننا ننتهج ذات منهج الحكومة السابقة وهذا منهج يجانبه التوفيق والصواب من ذات المنطق الذي حوكمت به الحكومة السابقة أنها لم تكن على حق إذن لماذا نكرر أخطاءها لو كانت مخطئة.
على العموم نجاح زيارة تلك المدن وما حققته من أهداف مرجوة ومكاسب كبيرة يغري بمزيد انفتاح على بقية مدن السودان خاصة وأن النقابة قد رفعت شعار (النقابة للجميع ).