د. ربيع عبدالعاطي يكتب: الفاقد التربوي

تستخدم كلمة الفاقد التربوي للدلالة على الذين قطعوا دراساتهم ولم يكملوها ، فمنهم من أكمل الأساس ومنهم من لم يستطع الإكمال ، أو حتى البدء فى مدرسة لتعليم حرف أو قراءة كتاب، إما لظرف أسرى أو لحالة خاصة أو لأى سبب من الأسباب سواء كانت تتصل بظرف عام أو خاص.
ولكل حالة أسبابها ومسبباتها ، ولكن قد لا نجد المبررات لأى سبب يستند عليه فى هذه الحالة ، خاصة بأن الدول المحترمة والتى تقدر المسئولية تجاه رعاياها ، لا تفرط فى شخصٍ ليصبح فاقداً تربوياً ، فهى المسئولة عن الوعى وأسباب الحياة وسبل المعاش وموجبات الصحة والتعليم وغيرها من عناصر ذات صلة وثيقة بضرورة أن يكون المواطن هو الأول عند الدخول عبر باب الإهتمام وترتيب الأولويات.
والفاقد التربوي ، إذا زادت أعداده ، فإن هذا الجانب يفقد المجتمع إحدى قواه الفاعلة فيضمحل الوعى، وتتأخر وتيرة النمو والتطور ، فلا الموارد تستغل ولا الأموال يستفاد منها ولا التسهيلات تصبح عنصراً للتيسير.
وكل ذلك بسبب ما يتصف به الذين فقدوا ما يعين على تربيتهم وتعليمهم ، ولكن قد لا يكون التعليم النظامى وفقدانه سبباً ليصبح المرء فاقداً تربوياً ، فكم من شخصيات لم تنل علماً بمدرسة أو معهد ، لكنها تخرجت فى بيوت عمرها العلم والأدب ، وكانت التربية فى أرجائها منهجاً ، وتلكم هى الرموز الفكرية والأرقام العلمية والشخصيات التى أصبحت مركوزة بأسمائها فى عمق ضمير المجتمعات.
وهنا فإن عدم ولوج باب التعليم النظامى قد لا يكون عنصراً يجعل من الفاقد التربوي طاغياً فى مجتمع ، بل قد يكون التعليم النظامى نفسه غير قادرٍ على إخراج طائفة من مجتمع الفاقد التربوي ، وهذا ما يجعل المثل الشعبى مثلاً صادقاً بأن “القلم لا يزيل بلماً” .
والفاقد التربوي ليس من شروطه أن يكون غير قادرٍ على القراءة والكتابة ، بل قد يلحق شخص بشريحة هذا الفاقد إذا كان حظه من التأديب متواضعاً ، أو كسبه من الخلق الرفيع لا يمكنه من ممارسة السلوك الحسن والمعاملة وفقاً لمقتضيات الإحسان ورفعة الأذواق وطهارة اليد واللسان .
والضرر الماحق للفاقد التربوي ، حتى وإن كان متعلماً ومتخرجاً من مدارس وجامعات تكمن خطورته عندما يتولى مثل هذا الفاقد مسئولية فلا يحسن أداءها وتحمل تبعاتها ، والضرر الأكبر عندما يعول المجتمع على قرارات تصدر ومواقف تتخذ ، لكنها من فاقدٍ تربوي، لا يحسن التدابير اللازمة لإتخاذ المواقف ولا يجيد التصرفات.
ومخطئ من يظن بأن شريحة الفاقد التربوي المعنى بها فقط أولئك الذين لم ينالوا حظاً من التعليم ، وهذا ما تثبته الكثير من المؤشرات الدالة على أن الفاقد التربوى قد وجد طريقه إلى تشويه الرأى العام بالمواقع الإسفيرية ، كما أن ذات الفاقد التربوي قد تسلل على حين غرة فأصبح عنصراً أساسياً يؤثر فى إتخاذ القرار.
وتبدو تأثيرات الفاقد التربوي فى المجتمع عظيمة وخطيرة بالنظر إلى درجة إنحطاط الثقافات ، وشكل الإحتفالات الخاصة بأفراح الزواج ولغة الشباب وأزيائهم ، والصيغ التى بها يتخاطبون ، وكلها من قبيل المظاهر التى تدل على إتساع نطاق ومساحة ما يضاعف أعداد الفاقد التربوى .
وإذا غابت التربية أصبح التعليم سبة فى جبين الدولة والمجتمع .