على أبو دقن يكتب :إستسلام كوشيب ،، من سيربح الجولة ؟

أعلنت المحكمة الجنائية الدولية أن على محمد على عبدالرحمن المشهور بلقب ( على كوشيب ) المطلوب بموجب مزكرة توقيف من المحكمة الجنائية الدولية منذ ٢٠٠٧م قد سلم نفسه لقوات الأمم المتحدة فى أفريقيا الوسطى ،
وأشارت المحكمة فى بيانها إلى أن أول مثول لكوشيب سيكون أمام الدائرة الثانية قريباً ، وكانت وسائط اعلام قد أفادت مطلع هذا العام بأن كوشيب غادر مكتبه فى قوات الإحتياط المركزى التابعة للشرطة بمحلية رهيد البردى وإتجه صوب عشيرته بمنطقة سنيطة غرب ولاية جنوب دارفور ومن هناك فر إلى أفريقيا الوسطى.
لن نتطرق إلى الجوانب القانونية من حيث ميثاق روما الأساسى ١٩٩٨م والدول الأطراف وحجية المصادقة والتوقيع وأثر ذلك فى القانون الدولى وإنسحاب العديد من الدول الأطراف على رأسها روسيا والكثير من الدول حيث تناولنا ذلك عشرات المرات صحافة مقروءة وتحليلات ومقابلات تلفزيونية،
ولكننا سننظر الى الجوانب السياسية وتداعياتها . لذا لابد من طرح التساؤلات التاليه حيث الإجابة عليها تحدد لنا من سيربح الجولة ،،
لماذا سلم كوشيب نفسه؟
هل مقابل صفقة تضمن سلامته ليكون شاهد ملك ؟
من هم الوسطاء الدوليين والسودانيين الذين كان لهم القدح المعلى فى هذه الصفقة؟
هل المستهدفون بشهادة الملك هم قيادات ورموز الإنقاذ الذى يقبعون داخل السجون ام ( إليك أعنى يا جارة ) وأقصد بذلك آخرين من العسكر يمسكون بزمام السلطة الآن وبعضهم فى مواقع عسكرية حساسة ؟
هل وصل الصراع بين المكون المدنى وخاصة اليسار والعسكريين إلى مرحلة كسر العظم ؟
ما هى تداعيات ذلك على الحكومة الإنتقالية والصراع بين أجنحتها وهل هنالك طرف ثالث سيربح نتيجة معركة كسر العظم ؟
تناقلت الأنباء بأن كوشيب تم إعتقاله ولكن بيان المحكمة قطع قول كل خطيب وأكد بأنه سلم نفسه وكل المؤشرات والدلائل والكثير من التحليلات تؤكد بأن التسليم جراء صفقة وهذا منطق الأشياء والوجدان السليم
، فلا يمكن لكوشيب أن يسلم نفسه هباءاً منثورا وهو يعلم فى قرارة نفسه بأنه صيد ثمين وحتى إذا ركنا لفرضية تسليم كوشيب نفسه لمخاطر تهدده بأن وجود صفقة مقابل ذلك امراً راجح .
إن كان ذلك كذلك فمن الطبيعى أن هنالك وسطاء محليين ودوليين لعبوا أدوار أساسية ومحورية لنجاح الصفقة وإستطاعوا إقناع كوشيب لتسليم نفسه مقابل ضمانات ، ولكن ما هى الفائدة السياسية للوسطاء المحليين والدوليين من ذلك؟
لا ينبغي أن نقول بأن مطلوبات العدالة هى هدفهم الأسمى ولكن الصفقة تأتى فى إطار صراع الشركاء المتشاكسون الذى يديرون دفة الحكم الأنتقالى فى السودان ، مدنيين وعسكريين ، وأن الهدف الأساسى من تسليم كوشيب نفسه ليس ليكون شاهد ملك ضد قيادات ورموز الإنقاذ الذى يقبعون داخل السجون فهؤلاء لن تضرهم شهادة الملك ويجدر بالذكر إستبعاد فرضية إى دور للمكون العسكرى فى صفقة التسليم حيث فى حوزتهم صيد أثمن من كوشيب ، الرئيس الاسبق المشير عمر حسن البشير ومولانا أحمد محمد هارون فهما أيضا مطلوبان للمحكمة الجنائية الدولية وكان رأي العسكر واضحاً على لسان قادتهم البرهان وحميدتى بعدم تسليم اى مواطن سودانى وأن القضاء الوطنى له الولاية للمحاكمة .
إذن الوسطاء المحليين والدوليين إذا صح تحليل شهادة الملك فهم المدنيين اليساريين الذين يستهدفون المكون العسكرى إبتداءاً بالبرهان وحميدتى وعدد من قادة القوات المسلحة لكى يفسح المجال للمكون المدنى اليسارى ليحكم البلاد بقبضة حديدية بعد أن يكون قد تخلص من عقبة ماثلة أمامه لتحقيق أحلامه.
ما أشرنا إليه يجسد إلى اى مدى وصل الصراع بين اليسار والعسكر وأن أهل اليسار يلعبون بسياسة المكر والخديعة تجاه شركاءهم العسكر ويتحينون الفرص للتخلص منهم بالضربة القاضية وهم يعلمون بأن مجرد ورود أسماء القادة العسكريين فى مزكرة إتهام كفيل بقطع الطريق أمامهم للعب اى دور سياسى فضلا عن تهديد سلامتهم مدى حياتهم .
لكن السؤال المهم هل فطن الذين لعبوا دور الصفقة فى معركة كسر العظم ، خيانة ومكيدة تجاه.( ما اعنيك يا جارة ) ، فهل تحسبوا لردة فعل العسكر ؟؟
إنه قصر النظر وما دروا بصراع الثور فى مستودع الخزف ، أو هد المعبد على رؤوس اليسار ، .حيث لا يمكن أن ينتظر المعنيين حتف أنفسهم أمام مقصلة اليسار وكيده ،
وفى يقينى لن يكون.العسكر الخاسرين بل الرابحين إذا إستبانوا النصح قبل ضحى الغد ولكن إذا ظلوا فى نومهم وخدرهم وسباتهم تارة بلجنة التمكين وتارة أخرى باللجنة الإقتصادية وهلم جرا فإن مياهاً نتنة ستجرى من تحتهم وعن يمينهم وشمائلهم ، كقصة الطائر ابو مركوب والثعلب التى إستشهدنا بها فى مقال شهير بصحيفة المجهر قبل سنين عددا والتى لا يسمح المجال لسردها ، وأيضا الرابح الأكبر هو طرف ثالث يمثل غالب أهل السودان وتمثل له مسألة السيادة والتدخل الاجنبى خطاً احمر ،
وتلقائيا يجد العسكر لابد من التعامل معهم فإنها السياسة ومصالح الوطن العليا بعيداً عن العمالة والإرتزاق ولكن بالتأكيد أن تداعيات استسلام كوشيب ستكون لها ظلال سالبة على الحكومة الإنتقالية.