آراء

د. ربيع عبدالعاطي يكتب: كيف يكون نجاح الحكومة؟

نصيحة وجهت لحكام لنا سبقوا

لا أشك فى أن أي حكومة دكتاتورية كانت أو ديمقراطية يمكن أن يسعى قادتها نحو إفشال مشاريعها ، أو تعذيب المواطنين الذين هم من صميم مسئوليتها بوضعهم فى قفصٍ للإتهام أو حرمانهم من عنصرٍ لعيش كريم ، أو حياة يتمتعون فيها بالحرية والإنطلاق.

ونجاح الحكومات فى عالمنا المعاصر أصبح غير مشروط بنظام معين ولا فكرة أيدلوجية محددة ، ولكن يتمثل النجاح فى أزهى صوره ، وأبهى معانيه ، عندما يكون الحاكم فى أمر الرعية صادقاً فى وعده ، وشفافاً فى محاسبته ، ومتواضعاً مع الرعية ، لا يتكبر ، ولا يتعالى على مطلوباتها ، فإذا أسند أمراً لوالٍ على منطقة تأكد بأنه سيكون خادماً لهم ومتفهماً لطبائعهم ومستوعباً لحاجاتهم ، فلا ينكر لهم عرفاً ، أو يستهزئ بتقليدهم لهم مارسوه منذ الأجداد.

والحكومات الناجحة ، يقودها من قويت عناصر المبادئ فى نفوسهم فلا ينجزون إنجازاً بغير فكرة ، ولا يقتربون من بطانة إلا بعد فحصها ، وإختبار معدنها ، وعما إذا كانت بطانة للتطبيل المجرد ، أم هى ناصحة ، وناضجة ، ولا تخشى إلا من مغبة من يلبسون أثواب النفاق ، ويتحينون لحظة الغفلة وهنا يكمن الفرق بين البطانة الصالحة والطالحة ، ومن يقود نحو الخير ، وذلك الذى يدس السم للقضاء على حياة للملوك والأمراء والحكام.

وكثيراً ما يسقط الأباطرة ، وتنهار الأمبراطوريات ، بفعل إنهيار الداخل ، وفساد الباطن ، وجهل الذين يعملون عكساً لمصلحة الذى بيده السلطة ، وهو لا يعلم بأن من حوله سيكون سبباً فى زوال ملكه ، وطى صفحات يكتفى فيها بذكر تاريخ نيل السلطة ، وتاريخ نهايتها ، دون الغوص فى أسباب تلك النهاية التى حدثت فى يوم كذا وشهر كذا وعام كذا ، وكلها لحظات أصبحت فى ذمة الماضى ، وذكريات فقط تعبر عن تاريخ ، وليس بينها وبين الحاضر ، أدنى صلة.

وهكذا ينبغى أن يدرك أصحاب السلطة والحكم بأن العبرة بالنجاح والفلاح وليست هناك عبرة بفترة زمنية تولى فيها شخص قيادة أمة ، بينما كان فاشلاً ومفضوحاً من أخمص قدميه وإلى أعلى شعرة فى قمة رأسه ، ذلك لأن نجاح الحاكم ، ونجاح الحكومات ، لا يقدح فيهما سوى نفاق مستتر وضعف بيَّن ، ومبدأ لا يقوم على أساس ، وقاعدة هشاشتها ظاهرة ، ومصداقيتها مطعون فيها ، وذمتها ملوثة بحقوق ليست لها ، والأموال التى يقال عنها بأنها قد سرقت بليل وأغتصبت ، كما تغتصب حقوق الأبرياء ، وتصدر الأحكام الظالمة ضد الضفعاء.

ونجاح الحكومات ، لا يصدق على أرض الوقع إلا إذا كانت المبادئ بعيدة ، والمغانم قريبة أو عندما لا ينتشى الحاكم إلا عندما توجه فى حضرته كلمات الأطراء والثناء ، ويشيح بوجهه أمام عبارات النصح والإرشاد عند ما ترد من أولئك الذين تدفعهم قيم الغيرة عن حقٍ خوفاً من إزالته ، وباطلٍ يخشون من ظلمه وسطوته ، ولذلك فإن عناصر نجاح الحكومات له إقتران بعقولٍ إعتصمت بالتفكير ، وإستعانت بمن هو قدير ، وتجنبت من يحرق بخوراً ، وينثر عطراً لإخفاء ريحٍ خبيث وخلق أجواء بينها وبين الحقيقة إختلاف ، لا يلمسه إلا الطيبون ممن إنحدروا من أرومة طيبة ، وأصولٍ لها فى أعماق الأرض جذور .

ونجاح الحكومات ، لا ينفصل عن من يحكم وكيف يحكم ، ومن هم المعاونون وما هى الآليات ، والفرق شاسع بين رجالٍ يلهثون للبقاء على سدة سلطة لهوى فى نفوسهم ، وآخرين لا تمثل السلطة لهم إلا كابينة لقيادة من أخصّ شروطها ضمان سلامة من يركب السفينة قبل الحرص على سلامة القائد ، أو الربان .

زر الذهاب إلى الأعلى