آراء

د. ربيع عبد العاطي يكتب: من هم الذين يتحملون المسؤولية

* لقد كتبت في وقت سابق بأن هناك مدرسة تم إغفال متابعتها ، وتطويرها ، بل حدث الإلغاء جملة ، وتفصيلاً ، لها بمجتمعاتنا فكان لذلك الأثر المؤذي على الدولة والمجتمع في آن ، فيما نشاهده من مظاهر إنفلات أخلاقي وإهدارٍ للأموال والطاقات وضياع للشباب ، وإرباك ساد جميع أوجه الحياة .

* والمدرسة التي أعنيها هي مدرسة المسؤولية التي كان الأبناء والبنات يدخلونها في عمر مبكر ، فينمو لديهم الإحساس الدائم بضرورة المساهمة وتحمل الأعباء ، ورفع ثقلها عن الوالدين ، ويتضح ذلك عندما أذكر بأن أغلب الأبناء ، في زمان مضى والذين يكبرون أخوتهم سناً قد يضحون بترك مقاعد الدراسة ، بينما هم على درجة من النجابة ، والذكاء ،

وذلك من أجل مساعدة رب الأسرة ، من أجل تربية الصغار ، وتوفير لقمة العيش لهم ، ولا يحدث مثل ذلك السلوك بفعل رهبة ، أو ضغط ، لكنها مدرسة المسؤولية التي كانت متأصلة في المجتمع ، وهي من قبيل المؤسسات الراسخة في ضمير الأمة وفي عرفها وقيمها المستقرة ، المركوزة ، ركناً ، ركيناً ، وعموداً يقوم عليه السموق ، والشموخ .

* والذين يتحملون المسؤولية تعرفهم بسيماهم وبعباراتهم ومواقفهم فهم لا يتلونون حسب الظروف ، ولا يتلجلجون عند ضرورة الإفصاح بالحقيقة ، ولا يتذبذبون حين يتطلب الحال الصلابة ، والمواجهة ، والبقاء ، على أرض المعركة ، وهكذا تكون الشجاعة ، والبسالة ، وتقديم التضحيات ، وبذل الفداء .

* وفي زماننا هذا لا أدري بفعل فاعل ، أم أنه الزمان الغابر ، قد حدث تدمير لهذه المدرسة ، وأهيل على تاريخها التراب ، فكانت النتيجة التي نراها إنحداراً سحيقا لحق بالأخلاق ، وتلوثٌٌ مقيتٌ لطخ الذمم ، وأعراض كشفت ، وأموالٌ أهدرت ، وأرواحٌ أزهقت ، وإحترامٌ لم يعد هو العاصم ، أو الفاصل ، بين صغير ، وكبير.

* وبالتالي لم يعد هناك من ينادي بعودة التاريخ للوراء أو تذكير الناس بما آل إليه الحال بعد أن أصبحت المسؤولية ( في خبر كان ) ، مما جعل رب البيت بالدف ضارباً ، فرقص أهل البيت منذرين بشيم فارقت الشهامة ، والرجولة ، حيث يبقى المسؤول عابثاً ، والمسؤولية لهواً ، ونتيجة كل ذلك هو الجيل الذي لا يعبأ بسلوك رشيد ، ولا يهتم بكرامة أسرة ، أو إشراق تاريخ ، أو عزة كان يفتخر بها الآباء ، والجدود .

* ومن أرادوا تحمل المسؤولية في هذا الزمن الغريب عليهم أن يدركوا بأننا في حاجة إلى إستدعاء خصائص قديمة ، وعقائد سمحة ، وأعراف كريمة ، والعودة مجدداً لإرساء أسسٍ لمدرسة هي التي كانت أساساً لذلك المجد التليد ، وتلك السيرة التاريخية التي كتبت بأحرف من نورٍ ، وضياء في مدونات ، ومراجع كان مصيرها الأرفف ،  والأضابير .

* وياليت الزمان يعود يوماً لنخبره كيف كانت المسؤولية وكيف كان رجالها ، ليعرف هذا الجيل ما حدث من زيغ ، وإنحراف ، طال مجتمعاتنا ، وأعمل فيها معاول الهدم ، والتدمير.

زر الذهاب إلى الأعلى