المهام الكبيرة للشخصيات الصغيرة أمرٌ فيه علَّه

بقلم: د. ربيع عبدالعاطي
يعتقد البعض بأن الذى يقف على بوابة المستشفى ليسمح بالدخول للزوار أو للمرضى أنفسهم ، أو حتى للأطباء وأهل التخصصات الطبية بأنه يمارس مهنة هامشية ، وهى بالفعل ليست كذلك لكنها فى أغلب الأحيان تسند إلى شخص ضعيف التأهيل ، متواضع المعارف ، وقد لا يكون متعلماً ، أو مدركاً لخطورة وظيفته فيتعامل معها وفقاً لمفهومه.
وهنا فإننا نخطئ خطأً فادحاً عندما نسند مسئولية عظيمة لشخص صغير ، والمعنى هنا ليس صغر السن ، ولكن هى قلة المعرفة وتحكم الجهل ، وإتخاذ القرار بمزاج فطير بغير علمٍ ولا هدى ، ولا كتاب منير.
وإسناد المهام الكبيرة لأشخاص لا يستطيعون ملء مساحتها ، أو تحمل أعبائها ، مرده إلى أننا نفعل ذلك بناء على معلومات ناقصة تسببت فيها إنسدادات كان الفاعل الأول فيها من أراد أن يبر الصغير بمهمة ووظيفة فكان العقوق من نصيب المهمة والوظيفة وفشل هذا الصغير بعدم إدراكه لخصائص الوظيفة ومواصفاتها ، ولا يعقل أن ينجح فى أمرٍ خطيرٍ من لا يدرك أبعاد الخطر ، أو من لم تضعه تجاربه يوماً بين مطرقة وسندان .
والنفوس العظيمة لا تبلغ مدى العظمة وعلو المكانة ، إلا إذا تعبت فى مراد ذلك الأجسام بتجاوز التحديات ، وإستهلاك العمر لإكتساب الخبرة ، ونيل نتائج التجارب ، والدخول عملياً لميدان التمارين والإختبارات .
ومن نسق تولى الوظائف الخطيرة من قبل أناس لا يعلمون شروى نقير مما تصدوا له من نشاطات ، ذلك الذى عهد إليه توزيع طاقة كهربائية عظيمة فى عمارة متعددة الطوابق أو مصنع يضم أقساماً فنية بمواصفات لا يستطيع توزيع الحمل بها إلا الذى يدرك كيف توزع الأحمال.
ولكن لم تسند المهمة الخطيرة هذه إلا لعاملٍ صغيرٍ ، لم يتعلم سوى تمديد الأسلاك ، ولا علم له بكيفية حسابات الكهرباء سواء كانت فروقات جهدٍ أو مقاومات أو تمديدات فهو لا يفرق بين طبيعة توصيل تتطلب التوازى ، من تلك التى تلزم أن يكون من قبيل توصيل التوالى .
وعند ما تسند مثل هذه الأعمال الكبيرة لعامل صغير ، تحدث الكارثة ، فتحترق الأجهزة إن لم تودى مثل هذه الحرائق بالمصنع ، أو العمارة بكاملها ، وهنا يدفع الثمن غالياً ، وتصبح التضحيات جسيمه ، وتتضاعف الخسارات من ملايين إلى مليارات ، وكل ذلك بسبب أن توكل المهام الكبيرة للشخصيات الصغيرة .
فالذى لا يدرك أبجديات الإدارة ، أو أنه قد دخل السنة الأولى فى محيطها ، لا يصلح أن يكون مديراً عاماً ، وإذا حدث علينا أن ننتظر عاجلاً وليس آجلاً إنهيار الإدارة ، وإفلاس المؤسسة التى عين هذا الصغير على رأسها.
وظاهرة إسناد المهام للأشخاص بلا معايير ولا مقاييس ، ولا بعد نظر ، هو السبب لإنزواء مجتمعات كانت فى المقدمة فتدحرجت للمؤخرة ، وهو ذات السبب الذى يجر وبالاً على أصحاب رؤوس الأموال ، والبيوتات التجارية عند ما يقيمون مشروعاتهم دون إعتبار لدراسات جدوى ، فيقام مثل هذا المشروع بأيدٍ صغيرة ، مع وجود اليد الطولى والعقل الكبير .
وسلم المجد ، ودرجات التسامى لا يتم القفز على مدارجهما إلا من مستوى أسفل بإستهداف الصعود إلى أعلى بالتدريج المعقول ، والصغير لا يصير كبيراً إلا بجرعات غذائية تؤهله ليتحمل ما ستوجبه عليه مسئوليات المستقبل من تكاليف ومغالبة للتحديات .