آراء

أميمة عبد الله تكتب: عن تهمة الحياة

لسنا من الأحياء في أوطاننا ، ولا من الأموات
نهرب من هروبنا مخافة اعتقالنا بتهمة الحياة

عندما يكون في آخر طريق الحياة وهو يعلم يقينا ذلك وينظر بعين طال عمرها حتى وصلت إلى الثمانين عاما أو ربما تزيد ، عينٌ تجولت في القرى و البوادي والمفازات البعيدة والجبال ، عينٌ رات كل شئ ، كل شئ تقريبا ، الجمال والقبح ، القحط والرخاء الستر والعورة إلى أن ضعف بصرها و تهدل جفنها

لم يترك منطقةً في بلاده إلا وزار أهلها ولا عاصمة أقليمية إلا وحملته الطائرة إليها ، دفن كل أصدقائه وأحبابه ومازال حيا وكأن الموت يختبر الصبر على الحياة عنده

هكذا كان يتحدث أسرارهم جميعا بحوزته ، انسهم و رحلاتهم ، شكواهم وخيانتهم لبعضهم حديثهم الخافت والمعلن .

شهد ثوراتٍ مذهلة قادها شعبه وتناقلت أخبارها الأجيال اللاحقة وعلى الرغم من أنها لم تؤتي ثمارها كاملة إلا أن أحلام الشعب لا تفتأ تستيفظ كلما مرت السنوات ، وأحلام الحرية والسلام تترحل مع الأزمان دون أن تموت ،

كما أنه شهد تعاقب خمسة حكومات أو أكثر في بعضها دخل السجن وفي بعضها كان شاهدا ، شهد التبادلات الكبيرة والإنقسامات الجغرافية و تغير الخارطة السكانية ،

شهد الكثير من الحروب الداخلية يعرف أسرارها وتدابيرها والكيانات المسلحة التي لم تنجح مطلقا في تحقيق ما خرجت من أجله فلا سلاما صنعت لمناطقها ولا رخاءاً معيشيا جلبت ولا سلطةً استطاعت الجلوس عليها ،

مازالت العجوز تموت وهي على حمارها تحمل حفنة دقيق واسأل نفسها أحيانا في مواسم الجفاف لماذا تأخر المطر هذا العام

وبنت ضاع عمرها وهي تسعى مع غنمات ضامرات دون أن ينتبه لها أحد ، و دون أن تسأل احد
، حينها حتما سيقول لنفسه
– يا له من عمرٍ طويل أخشى أنني قد بدأت اموت
والبلاد تتقلب من المفاجأت والأحداث والأخلاق الوطنية تتبدل في كل حين كما المواقف ، نقطة تاريخٌ جديد

سائق عربة أجرة هي مهنته الأخيرة وهو على أعتاب القبر ، بشفقةٍ عظيمة يتابع الجد موسى الأخبار المفزعة

الجيش ينتشر في الطرقات وكأن البلاد في حرب، يغلق الكباري ، و الناس في أطراف المدن قلقون
هل الحكومة للإطمئنان أم الفزع !؟

والجد موسى بتسأل لماذا حكام هذا الزمان باردون كما الثلج بارعون في الكذب يحسون الإختباء وكأن البلاد لا تعنيهم

والبلاد يتقاتل رجالها في أطرافها على نزاعٍ ف شبر أرض أو بقرة مسروقة او على بئر ماء أو جالون جاز

نظر الجد موسى بتمعن يحاول أن يقرأ العبارة على ورقة بيضاء
(( من يملك البندقية لا أمان له ومن يصنع الحرب لا يمكنه ابداُ أن يصنع السلام ))

الجد موسى بتضرعٍ شديد يرجو من الله أن تثمر هذه المرة ثورة البلاد أملاً لا يخبوء ونوراُ لا ينطفئ ودربا لا تطفئه رمال الخيانة الناعمة
و حريةً تدوم لتصنع للقادمين وطناً يفخرون به بين العالمين وأن يفتحوا باباً عريضاً لكل قديم الأحلام التي لا تلبث أن تعود بكامل ألقها
أجيالٌ تلتها أجيال ، وغرسُ فوقه غرس وأحلام الديمقراطية تتراكم على عاتق الوطن ،

وفي كل مرة يكبر الغرس وتنمو الشجرة وتعلو مع تعاقب الأجيال هامتها، تتطلع إلى شمس الأمل ، تنضجها التجربة و تسقيها الخبرة والممارسة ويحفظها الوعي من الخراب .

تتفتح الأذهان وتتعاظم المحبة تجاه الوطن الواحد وأشواق السلام الإجتماعي تحت مظلة العدالة ما استطعنا إليها سبيل ، نتقبل تنوعنا و تجمعنا الإنسانية وحدها ويضمنا بلدأ اسمه السودان .

يا موسى مُت بخير فتطلعات الشعوب لا تموت ولا تعرف الوهن

زر الذهاب إلى الأعلى