د. عمر كابو يكتب: شكر مستحق لقاضي هذه المحكمة

بلا سند قانوني ولا تفويض شعبي كامل تحاول قوى اليسار (الشيوعيين وأذنابهم) تحويل الفترة الانتقالية لفترة انتقامية كاملة الدسم وبامتياز لتصفية حساباتها مع خصومها من الإسلاميين ويتبدى ذلك جلياً فيما نشاهده من محاكمات جائرة، بدأت الآن باعتقال عدد من رموز المؤتمر الوطني ومازال البقية ملاحقين بتهمة تدبير انقلاب الإنقاذ ١٩٨٩م.
لكن المدهش حقاً أن تبلغ بهم درجة الدناءة تقديم البشير في محاكمة أمام القضاء الوطني وفي نفس الوقت يجهدون لمحاكمته أمام المحكمة الجنائية الدولية. هل يبلغ اللؤم والانحطاط أكثر من ذلك؟! لماذا تحاكمونه الآن؟!
أتحاكمونه و أنتم تدرون وتوقنون أنه لم يسرق ولم يختلس ذلك المبلغ ولو أراد أخذه لهّربه والثوار يحاصرون بيته، أتحاكمونه والمبلغ الذي يحاكم فيه الآن وجد في غرفة مغلقة تمثل جزءًا من مكتبه في بيت الضيافة حرص ألا يمنح حتى مدير مكتبه نسخة من مفاتيحه خشية على ذلك المال وخوفًا من أن تطاله يد، أتحاكمونه وقد علم الجميع من هذه المحاكمة التي نعتقد نزاهة قاضيها ولا نشك في علمه ولا خبرته ولا نزاهته أنها ستحصنه وتمكنه من أن يلتمس للعدل طريقًا فإن وفق فمن الله وإن أخطأ فمن نفسه و الشيطان وما أكبر شيطان البلاد الآن الذي يحاول جاهدًا مجتهدًا مسح شريعة السماء الغراء.
نعم نثق في قضائنا إذ نوجه حديثنا لأحزاب اليسار التي تجتهد الآن وتجهد نفسها في إدانة قيادة الحركة الإسلامية وشيوخها ومادرت أنها حين سجنت الترابي قبل ذلك سبعة أعوام في حكومتهم (مايو) كان سجنه دافعًا له ولها في أن تتمدد وتكبر وتشمخ، فتاريخها قال بذلك قال إن التضييق عليها يزيدها إصرارًا وعزمًا وتصميمًا وإرادة، فهي بنت هذا الشعب الأبي المعلم الذي يكره الظلم والعسف والجور ولكنه يكره أكثر من ذلك الاستفزاز ومحاولة لي ذراعه بالقوة في حين أن أفضل الطرق لأن تمتلك قلبه هو مسايرته بإحسان لا بإخشان وهذا ما جسدته موروثاته الشعبية (الحسنة معطت شارب الأسد ) والتي هي مأخوذة من الأثر (إن الله يحب الرفق في الأمر كله).
أتحاكمونه وقد منحه القانون سلطة تقديرية يراعي فيها مصلحة البلاد ويدير فيها شؤون العباد وفق تلك السلطة التقديرية التي تتيح له الالتزام بالسرية وعدم الجهر بها في كثير من الأمور إكمالًا لمشاريع كثيرة تحتاج لإحاطتها بالكتمان فقطعًا هنالك لايقال للعامة والدهماء من أمور السياسة وكذا هناك أيضاً ما يقال للكافة تمليكاً للحقائق حتى للأعداء وهذه من بدهيات السياسة لو كنتم صادقين، أتحاكمونه على مال حفظه وتعهده بالصون ولم يتصرف إلا في القليل منه لجهات معلومة وطاهرة وشريفة سعت وتسعى في خدمة القرآن والعلم والمعرفة وكفالة ضعفاء الناس.
أتحاكمونه وقد تبين لكم الآن أن كثيرًا من تلك الأموال وظفها لصالح مشروعات استراتيجية طبيعتها السرية ففغرتم أفواهكم في بلاهة والعالم يعلن اطلاق السودان لقمر صناعي، ثم ها أنتم تزورون تلك المواقع فتفاجأون أن البلاد بها أكبر مصنع للسيارات يضاهي أكبر المصانع في إفريقيا ، وبها أكبر مصنع للحديد يفاخر أكبر المصانع العالمية ومن لا يصدقنا فليسأل إبراهيم الشيخ أكبر المستفيدين منه ومن الإنقاذ (ما فاضين ليك جايينك ما تستعجل)، تحاكمونه والبلاد فيها ساريا وما أدراك ما ساريا.
ها أنتم الآن تعتقلون إخوانه من الإسلاميين لأكثر من سبعة أشهر وتبذلون جهدكم بالغًا ما بلغ للبحث والتنقيب عن إدانتهم غير أننا ما زلنا نثق في زميلنا ومولانا تاج السر الحبر النائب العام بأنه لن يلوث سمعته القانونية لفترة قصيرة إن طالت لن تتعدى الثلاث سنوات ، بعدها سيعود إلينا محاميًا تشرف به المهنة وقد خلد اسمه حينها نموذجًا يحتذى به في النزاهة والاعتدال نفاخر به الأجيال أنه قد سما بالمنصب وتجاوز هوى الانتماءات السياسية وارتفع عن الضغائن والمماحكات والصراعات والولاءات الحزبية الضيقة.
ما أغراني وشجعني على أن أكتب ذلك بارقة الأمل التي لاحت في الأفق رغم الظلام الكثيف التي يسود المنظومة العدلية إلى الدرجة التي تكاد تقضي على دولة القانون وتشيعها إلى مثواها الأخير وهذه البارقة مبعثها ذلك القرار التاريخي لقضائنا الإداري والذي قال بالأمس كلمته للتاريخ ومرافعته وقراره العادل بعدم حل حزب المؤتمر الوطني وهو ما يجعل هذه الإشادة مستحقة لهم وعلينا.
وأخيراً لا بد أن أذكر الجميع بأن هذه الفترة الانتقامية ستنقضي، وستعود الحياة إلى طبيعتها ومن ذلك سيسود العدل عبر مؤسساته التي ستكون بعيدة عن شبهة التسييس تماما حينها ستفتح ملفات الذين ظلموا في هذه الفترة وسيكون حينها حق التقاضي مكفولاً للجميع وعليه سيأخذ العدل مجراه بالاقتصاص من أي ظالم ظلم في هذه الفترة فاحذروا عاقبة الظلم إن كنتم تعلمون.