علي الشايب يكتب : السيدة وداد وقحت وطائر أبو مركوب

تستهوينى حكايات وروايات الحيوانات لما فيها من رمزية ودلالات وعِبر ولعل كتاب ( كليلة ودمنة ) للفيلسوف الهندى بيدبا ترجمة عبدالله بن المقفع ترك بصماته فى الذاكرة لأنه من قراءات الصِغر، وقيل قديماً ( العلم فى الصِغر كالنقش فى الصخر والعلم فى الكِبر كالنقش على البحر ) كليلة ودمنة من أقدم الروايات فى هذا المجال ونالت من زيوع الصِيت والشهرة ولم يبتزها فى هذا المجال سوى رواية (مملكة الحيوان ) لجورج أورويل ).
هذه الروايه التى صدرت فى إنجلترا ، ١٧ اغسطس١٩٤٥م نال من خلالها أورويل عدة جوائز عالمية ، وقد كان رائعاً وهو يجسد من خلال الرواية خبث ومكر الشيوعيون فى سرقة الثورات تحت شعارات براقة..العدالة الإجتماعية والحرية والمساواة والديمقراطية و التى هم بعيدون عنها كما المسافة بين الثرا والثريا وكيف يتم تدمير الثورات من خلال الإنحراف والطمع والجهل وسيطرة الجهلاء وعديمى الكفاءة والإنتهازيين والخونة.
كيف تسنى لاوريل أن يصف شلة المزرعة (مزرعة الحيوان ) فى الرواية وليست ( شلة مزرعة ) أرض السودان أن يرمز لهم بالخنازير ( الخنزير نابليون ) ذلك الشرير وقليل الكلام و الخنزير ( منيميس ) شاعر الثورة ومؤلف نشيدها الوطنى، وكيف إستفردت الخنازير بالحكم بعد نجاح الثورة وإستخدمت الكلاب حراساً للثورة تقهر بها خصومها ومعارضيها فى الرأى وتفتك بهم ،، بعد أن وظفت وسخرت قطيع مزرعة ( السيد جونز ) للثورة ضده وكيف تحكموا فيها بعد أن دانت لهم الامور ووظفوا ريعها وإيراداتها لصالحهم وسرقوا مواردها فى إنتهازية فجة دون وازع من ضمير أو أخلاق.
ومنذ متى كانت للخنازير ضمائر واخلاق ؟ وكيف مات بعض القطيع بعد أن تضوروا جوعاً بعد نجاح الثورة والتخلص من سيطرة السيد جونز ، حيث كانوا ينعمون بالأمن والدفء والمأكل والمشرب والعناية الصحية لولا وسوسة الخنازير للقطيع وإيهامهم بفكرة الثورة والغد المشرق النبيل وأحلام الحياة الفاضلة والمساواة ما بين الدجاجة والفأر والفرس الأصيل والحمار والطاؤوس والخنازير فى الميراث والزواج وسائر المجون.
حن القطيع ( قطيع الرواية) لعهد السيد جونز بعد ان بلغت بها المذلة والمسغبة والقهر وإنعدام الحريات ولكن حكمة الله لم تعيد دوران عقارب الساعة للوراء لكى يعلم قطيع المزرعة (مزرعة الرواية) بأن جحد النعمة وترك الشٌكر ونكران الجميل والإنجراف وراء خنازير شلة ( رواية مزرعة الحيوان ) عظة وعبرة لكى يعلم الذين ظلموا أى منقلب ينقلبون..
طائر أبو مركوب تناولنا قصته من قبل فى مقال قبل سنواتٍ خلون، ، كإستدلال رمزي حين كنا نكتب على صفحات صحيفة المجهر الغراء لصاحبها الاستاذ صاحب المبادئ ( الهندى عزالدين) لما فيها من الحِكَم والعِبر لمن يعتبر، حيث يروى والعهد على الراوى أن حمامة إتخذت من أعلى شجرة مسكناً وعٌش تبيض فيه حتى يفقس بيضها ويفرخ كل ذلك خوف الثعالب وغيره من المفترسات ،، لكن ثعلباً مخادع واسع الحيلة يأتى تحت الشجرة بعد أن يفقس البيض ويفرخ فيهدد الحمامة ويتوعدها بالويل والثبور وعظائم الامور بأنه سيطلع لها فى الشجرة إن لم ترمى له فراخها ، فتنصاع الحمامة من الخوف وتضحى بفلزات كبدها.
وإستمر الحال إلى أن حط يوماً طائر ابومركوب رحاله على الشجرة ورأى من حزن الحمامة وكآبة منظرها ما يتشقق له القلب ويتفطر وسألها وحكت له ما بينها والثعلب، وإستجمع ابو مركوب ما لديه من خبرة وحكمة وقال لها ناصحاً ، إذا أتاك الثعلب قولى له لن ارمى لك فراخى ولن يستطيع صعود الشجرة ، وحتى إن حصل ذلك فيمكن لك أن تطيرى، وبعد أيام من نصيحة ابو مركوب الغالية حضر الثعلب فى الميعاد ممنياً نفسه بوجبة شهية إلا أن رد الحمامة كان صاعقاً ومفاجئاً ومثار دهشة الثعلب (لن ارمى لك الفراخ وإذا إستطعت الصعود فأصعد).
أيقن الثعلب بأن هذا الحديث ليس من بنات افكار الحمامة وهناك من دس لها الفكرة ، والثعلب ذو فراسة ، فسألها ( من علمك هذا ؟) ليتها سكتت ولكنها قالت ( علمنى أياه أبومركوب) ومرة أخرى سألها الثعلب اين أجده ؟ أجابت إنه يصطاد عند شاطئ النهر .
ذهب الثعلب يبحث عن ابومركوب وعندما شاهده سأله يا أبا مركوب اين تدخل رأسك إذا أتتك الرياح من الشمال قال بزهو وقد إستحسن لفظة ( أبا مركوب ) ،، أدخل رأسى فى جناحى الايمن وأردف الثعلب وإذا جاءتك الرياح من اليمين قال أدخل رأسى فى جناحى الأيسر وسأله الثعلب إذا أتتك الرياح من كل جانب أين تدخل رأسك قال ابومركوب أدخلها بين جناحيى الإثنين، فقال الثعلب أرينى كيف يكون ذلك ؟ فضم ابومركوب جناحيه إلى الأمام وأدخل رأسه تحتها ولم يكن المسكين لحظتها يدرى بأن الرياح هى الثعلب فإنقض عليه وأمسك به وقال لأبومركوب والشرر يتطاير من عينيه ، قولته المأثورة التى سارت بها الركبان ( تنصح غيرك وتعجز فى نصح نفسك وإنقاذها ؟).
السيدة الفاضلة وداد بابكر أرملة الشهيد الفريق شمس الدين وزوجة الرئيس السابق المشير عمر حسن البشير قضت تسعة أشهر فى المعتقل دون محاكمة فى سابقة لم تحدث فى محيطنا العربى والأفريقى حتى بلغ منها المرض والوهن مبلغاً وتم إطلاق سراحها ولم تمضى سوى أربعة وعشرين ساعة حتى تم القبض عليها.
والمعلوم قانوناً إنه حين الأفراج عن متهم لا يطلق سراحه إذا كان مطلوب فى بلاغ آخر وفقاً لخطاب وارد من محكمة أو نيابة ويتم تسليم المتهم للجهة التى لديها البلاغ، وهذه من أبجديات البلاغات بين الأفراد المتقاضين فما بال عندما يكون البلاغ طرفاً فيه الدولة بكل صولجانها ؟ وكيف يفوت عليها ذلك ؟ وحين القبض على السيدة الفاضلة وداد تم إلتقاط صور لها بطريقة مهينة وبثها على الوسائط تشفياً وإنتقام وهذا ضد الدين والقيم والمروءة والرجالة السودانية.
قال الرسول صلى الله عليه وسلم وهو لا ينطق عن الهوى عن النساء ( ما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم ) ويبدو أن إلتقاط الصور نتاج لنصيحة غالية من ( أبومركوب ) ومؤداها بأن هذه الصور ستفت عضد الشعب الجائع والذى حار به الدليل من عدم الإنتفاضة والإنكسار والخنوع، ولكن هذه الصور كانت كالنار فى الهشيم ، أشعلت جذوة الغضب فى نفوس الشعب السودانى الأبى وأصحت بعض القبائل من قمقمها وها هى قد تبحث يوماً ما ، عن ابومركوب عند شاطئ النهر فليته يدخر نصيحة لنفسه يوم كريهةٍ قد تنجيه من عقاب الثعلب.