الدرر النفيسة في أقوال المدافع عن المريسة!
بقلم: إبراهيم عثمان
(لا يوجد شيء يسمى “ثوابت الأمة السودانية،” لأنه لم يحدث إجماع رسمي في تاريخ السودان على مبادئ تأسيسية محددة وملزمة. النخب السياسية المهيمنة تاريخياً في هذا البلد تفترض أن ما تؤمن به من مبادئ ينبغي أن يكون ملزماً لكل الشعب السوداني المتباين، وأن من يخالفها في ذلك خائنٌ.) .. ( السياسة الخارجية لا ينبغي أن تحددها اتجاهات وقناعات ايدلوجية فردية أو حزبية، وإنما المصالح، والمصالح فقط). – وزير العدل نصر الدين عبد البارئ.
لم تمر على السودان حكومة متخبطة في أفغالها وأقوالها كالحكومة القائمة الآن، وتصريحات وزير العدل بالأمس خير دليل، هذه التصريحات مليئة بكل أنواع العلل:
– لأنه – على عكس المبدأ الذي حاول التأسيس له بخصوص عدم تأثر السياسة الخارجية بالاتجاهات والقناعات الأيديولوجية للأفراد والأحزاب – ينطلق من قناعاته الشخصية ويعتمدها ثوابت فوق المجتمع والدولة، وعلى حكمه الخاص على من يسميهم “النخب السياسية المهيمنة تاريخياً” . وتأثير قناعاته الشخصية على قرارات الحكومة لم يثبته التطبيع فقط بل أثبتته سوابق أخرى، فقد دافع بعض القحاتة في وقت مضى عن إن رأيه في المريسة هو قناعة شخصية وقد عبر عنه قبل توليه المنصب وهو لا يلزم الحكومة، ثم أتى وقت تمت فيه ترجمة قناعته بهذا الخصوص، مع قناعات أخرى، إلى قوانين.
– ولأن حجة غياب (الإجماع على مبادئ تأسيسية محددة وملزمة)، حتى إن صحت، هي حجة عليه لا له، وتلزمه بالتأني في اتخاذ القرارات الكبرى إلى حين التوافق على هذه المبادئ لا التعجل ومصادرة الإجماع والنطق باسمه والتصرف بافتراض وجوده خالصاً له ولقراراته وللاثوابته.
– ولأن قوله بأن الحكومة القائمة الآن (تملك القدرة على اتخاذ القرارات الكبرى لأنها حكومة تأسيسية وليست حكومة انتقالية) هو قول لا تسنده الوثيقة الدستورية ولا الأعراف السياسية والقانونية،بل هو أقرب إلى الاعتراف بالاتهام الموجه للأقلية العلمانية المسيطرة على الحكومة بأنها تتصرف كحكومة دائمة وتخشى الانتخابات وتمدد أجل الفترة الانتقالية من حين لآخر من أجل تطبيق أيديولوجيتها. بل هو أقرب للاعتراف بأن هناك أقلية مسيطرة داخل الأقلية (شلة).
– ولأن هذا القول يتناقض مع أقوال رئيس الوزراء وغيره من المسؤولين عن أن هذه الحكومة انتقالية وصلاحياتها محدودة، نعم لم يلتزموا بمقتضى قولهم هذا في بعض القضايا لكنهم حاولوا أن يفعلوا في ملف التطبيع في سياق التنافس مع العساكر، ثم تراجعوا … وعدم التزامهم في بقية القضايا، وتراجعهم في موضوع التطبيع، لا يعني صحة قول عبد البارئ عن أن الحكومة تأسيسية يحق لها ما لا يحق للحكومات الانتقالية.
– وحتى إن كانت الحكومة مجمع عليها وعلى كونها تأسيسية فوق- انتقالية، وفوق- منتخبة فما هي الثوابت التي ستؤسس لها ؟ أهي المصلحة، كما تقدرها الشلة، بحيث تحدد لكل ثابت من (ثوابت النخب السياسية المسيطرة تاريخياً) ثمناً تتقاضاه من الطرف الخارجي المهتم بهدمه؟!! هل هذا هو ما أجمع عليه أهل السودان؟.
– ولأن محاولة إثبات عدم وجود أي إجماع على ثوابت للأمة السودانية، وإثبات الإجماع على الحكومة وحدها بثابت شلتها الوحيد المتمثل في المصلحة، هذه المحاولة للنفي والإثبات تصطدم أول ما تصطدم بحقيقة أن قرار التطبيع اقد قد خالف ثوابت بعض أهم مكونات الحاضنة الحكومية (الأمة، الشيوعي، البعث، الناصري)، فالإجماع لا يتوفر لقرارات الحكومة حتى داخل مكوناتها ناهيك أن يكون إجماعاً لكل الشعب.
– يزعم عبد البارئ بأن (الحكومات الانتقالية في تاريخ السودان وتاريخ العالم فشلت لأسباب كثيرة من بينها الاعتقاد الخاطئ أن القرارات الكبرى يجب أن تتخذها الحكومة المنتخبة التي تعقب الحكومة الانتقالية)، وهذا الزعم بفشل الحكومات الانتقالية في العالم وفي السودان غير صحيح، وهذا الحل للفشل المزعوم سيصنع الفشل، ولعله أحد أسباب فشل الحكومة القائمة في السودان، وفشلها قد اعترف به الجميع تقريباً.
– أما الحديث عن استجابة الإدارة الأمريكية لطلب رئيس الوزراء الفصل بين مساري التطبيع ورفع العقوبات وتفسير التزامن الذي حدث بـ(التأخر من جانبنا في إكمال إجراءات فتح الحساب المشترك) فهو مجرد لغو لا معنى له، فالربط أوضح من أن ينفيه هذا التفسير، ورئيس الوزراء قد تراجع فيما يخص التطبيع عن موقفه الرئيسي الذي يقول فيه (ليس من صلاحيتنا) وبالتالي لا غرابة في أن يتراجع عن كل التفاصيل الخاصة بالتطبيع، ثم إن التطبيع قد حدث ولا يفرق كثيراً إن كان منفرداً وبمبادرة ذاتية ووفق قناعات عبد البارئ وأيديولوجيته أو ضمن مساومات رفع العقوبات.