د. عمر كابو يكتب : في وداع حمدوك

في تلك الجمعة من أيام الخرطوم كان وفد الإخوان المسلمين المصريين الذي يزور الخرطوم يجلس مع الشيخ حسن في منزله بضاحية كافوري بعد أن فازوا بانتخابات الرئاسة المصرية هم إذن جلسوا معه طلبًا للنصح واستئناسًا بتجربة السودان الذي كان في ذلك الوقت انطوى على تجربة عظيمة للإسلاميين في معرفة تفاصيل و دقائق الحكم وكيفية إدارة شؤون البلاد والعباد يومها أسدى لهم النصح بأن يقدموا رئيسًا لا يعرف له انتماء صارخ للحركة حتى إذا نجحت التجربة حسبت لصالحهم وإذا فشلت لم يؤخذوا بجريرتها ولينظروا كيف تسير البلاد في أول تجربة وممارسة بعيدًا عن القوات المسلحة ولكن لم يكترثوا لنصحه وحدث ما حدث بعد ذلك توالت عليهم النكبات والابتلاءات والتي انتهت بهم في زنازين المعتقلات.
هاهم مراكسة السودان يكررون نفس الخطأ القاتل حين أرادوا الانفراد بالسلطة دون غيرهم من مكونات المجتمع المدني بأحزابها المختلفة؛ نعم أرادوا الاستئثار بغنيمة السلطة حين سولت لهم أنفسهم المريضة وتجربتهم البائسة الضحلة أن الأمر ميسور و في غاية السهولة، و صور لهم عقلهم الساذج أن حكم السودان هو جلوس في المكاتب الوثيرة و التمتع بمخصصات وامتيازات الرحلات والخارجية وما دروا حجم التعقيدات التي تحاصر أجهزة الحكومة ولا الأخطار المحدقة بالبلاد كما تحاصره الآن وتحيط به إحاطة السوار بالمعصم.
و مما زاد الطين بلة هي ممارسة الإدارة الأمريكية أسوأ النفاق عليهم يوم وعدتهم برفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب واكتشفوا فجأة إنما غررت بهم (أخدوا منها كف صاموتي ) فهاهو أحد السيناتورات خرج الأسبوع الماضي ليعلن أنهم لم يقدموا وعدًا لحمدوك بذلك، و كذبت عليهم كل الدول الأخرى التي رعت ثورتهم المزعومة حين وعدتهم بمنح وامتيازات ليخرجوا منها بأقل من خفي حنين بل إن شئت الدقة(شوية مواد غذائية من بسكويت وبلح وكده )؛ لينتهي بهم الأمر إلى وعود سراب تقودهم الآن إلى حتفهم و دمارهم و الخراب.
لكن الأمر المؤسف المبكي أنهم مازالوا في سادرين في ضلالهم القديم و مستمرين في نهجهم القائم على التنطع والإقصاء والعزل و التضييق على الآخرين فقط لأنهم على ضلالة (ومن كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدًّا )، ولو أنهم سألوا أنفسهم لماذا لم ينازعهم الإمام الصادق المهدي الأمر ولماذا آثر الإسلاميون الصمت المطبق لعلموا أن الإمام استوحى من تجربته الطويلة أنهم لا محالة سيفشلون و سيفتضح أمرهم وأن الإسلاميين أرادوا أن يقولوا للرأي العام أننا كنا ممسكين (بمرفعين من قرونو ) فإن فشلنا نحن فمن ذا الذي ينجح ؟
بالأمس الأول حاصرت جموع الشباب مكاتب قوى الحرية و التغيير وهتفوا هتافاتٍ معادية لحمدوك وحكومته مطالبين بعودة البشير في نفس الوقت كانت هناك تظاهرات عدة في أنحاء متفرقة من الخرطوم تهتف بسقوط الحكومة الفاشلة التي عجزت أن تخاطب قضايا المواطنين الملحة، في حين أن حكومة حمدوك تجتهد في ملف إقصاء الإسلاميين وتجربتهم و مادروا أنه من الممكن فعل ذلك لفترة بسيطة سرعان ما سينقلب عليهم المجتمع وسيخسف بهم الأرض وسيشيعهم لمزبلة التاريخ غير مأسوف عليهم بالله عليكم من هذا الغبي اللئيم الذي أمر بالقبض على دكتور علي الحاج و إبراهيم السنوسي ليزيد الحنق و الغبن على هذه الحكومة، صدقوني بت أشعر أن هنالك من داخل حكومة حمدوك من يبذل قصارى جهده من أجل القضاء على حمدوك و حكومته بأعجل ما تيسر، الآن أعتقد جازمًا أن المسرح قد تهيأ تمامًا لوداع حكومة حمدوك و سماع البيان الأول و من يشك في ذلك فليقارن الظروف التي أتت بانقلاب عبود و النميري و البشير.
طبعًا أكتب هذا و تفصلنا من بداية شهر ديسمبر أيام قليلة، والتحدي الحقيقي لحكومة ماركس وتلاميذه هو تحدي الموازنة التي حتى الآن لم يفتح الله عليهم بكلمة فيها، هم يخافون منها لأنها باختصار تعني المغادرة (الله لا أعادهم ).