د.مزمل أبوالقاسم يكتب: سادس الطيش

*سبق لنا أن انتقدنا تصريحات متسرعة أدلى بها محمد الفكي سليمان، عضو مجلس السيادة، لأن معظمها تعلق بملفات تنفيذية بحتة، لا دخل لمجلس السيادة بها، ولا تندرج تحت صلاحياته.
*طالبناه بأن (يروق) ويهدأ ليزن تصريحاته جيداً قبل أن يدلي بها، لكننا لا نجد مبرراً يسوغ التجني عليه، لمجرد أنه ذكر حقائق مودعة، حول الطريقة المهينة التي تعامل بها العهد البائد مع الجواز السوداني، بتسهيل منحه لأجانب بمقابل مادي، وتوزيعه لبعض الإرهابيين بلا مقابل.
*تلك حقائق معلومة حتى لرجل الشارع العادي، ولا تحتاج تصريحاً من عضو مجلس سيادة أو أي مسؤول آخر لتأكيدها.
*خطايا الإنقاذ عديدة، ويصعب حصرها، لكن النهج المهين الذي اتبعته في تسهيل حصول أجانب على الجنسية السودانية لمكافأتهم بها على انتماء أيديولوجي، أو بيعها لهم بمقابل مادي، يبقى أكبر وأخطر وأشنع خطايا العهد البائد على الإطلاق.
*بمقدور أي شخص يمتلك معرفة محدودة بالتقنية أن يحصر الآثار السالبة التي لحقت بالجواز السوداني، بمجرد اطلاعه على مؤشر (هينلي) العالمي، الذي يستخدم في تصنيف الدول، بحسب فعالية جوازاتها في تسهيل تنقل حامليها بين الدول.
*يقدم المؤشر ترتيباً لمائة تسعة وتسعين جواز سفر حول العالم، بحسب عدد الدول التي يمكن لحامل الجواز الوصول إليها من دون تأشيرة، أو بتأشيرة دخول يتم الحصول عليها عند الوصول.
*تتصدر جوازات اليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة مؤشر هينلي، ويأتي الجواز الألماني في المرتبة الثانية، وتشترك فرنسا وإيطاليا والدنمارك وفنلندا والسويد في المرتبة الثالثة، وتحتل إسبانيا ولكسمبورغ المركز الرابع، وتشترك ست دول في المرتبة الخامسة، هي بريطانيا والنرويج وسويسرا والنمسا وهولندا والبرتغال، وتأتي جوازات أمريكا وكندا وبلجيكا وآيرلندا واليونان في المرتبة السادسة، ويحتل الجواز التشيكي المركز السابع، وجواز مالطا المرتبة الثامنة، وتتشارك جوازات أستراليا وآيسلندا ونيوزلندا المركز التاسع، وتأتي جوازات المجر ولاتفيا وليتوانيا وسلوفاكيا وسلوفينيا في المركز العاشر.
*بحثت عن جوازنا المسكين في مؤشر هينلي، فوجدته يقبع في المركز (99)، متساوياً مع الجواز الفلسطيني!
*قد يتوهم البعض أن المرتبة المذكورة جيدة، قياساً بعدد الجوازات التي يرصدها مؤشر هينلي، لكن الحقيقة تشير إلى أن جوازنا حلَّ سادساً (للطيش)، إذ لم تأت خلفه إلا جوازات العراق وأفغانستان والصومال وسوريا وباكستان واليمن وإريتريا.
*محصلة المؤشر تؤكد صحة ما ذكره ود الفكي، وتدل على هوان وذُل وضِعة الجواز السوداني، الذي حصل على المركز (تالت الطيش) بين جوازات دول القارة الإفريقية في التصنيف المذكور.
*من زعموا أن غالب دول العالم الأول ستمتنع عن منح السودانيين تأشيرات دخول لها بسبب حديث ود الفكي لا يعلمون أن نيل تلك التأشيرات أصبح يتطلب ما يشبه المعجزة، قبل أن يفتح عضو مجلس السيادة فاهه ليذكر ما ذكر.
*خلال السنوات الماضية لقي مئات السودانيين حتفهم إما غرقاً في البحر الأبيض، أو رمياً بالرصاص بجوار الأسلاك الشائكة التي تطوق بها إسرائيل حدودها مع مصر، بعد أن اضطروا إلى ركوب الصعب، والمغامرة بالروح، لأنهم أيقنوا بأن الحصول على تأشيرة دخول لأيٍ من دول العالم الأول مستحيل.
*ود الفكي ذكر حقائق موجعة، لا مجال لإنكارها، والأولى بنا أن نطالب الدولة بتصحيح التشوهات التي لحقت بالجواز السوداني في العهد البائد، كي يستعيد بريقه القديم، بدلاً من تهويل تبعات التصريح، وتحميله ما لا يحتمل.

زر الذهاب إلى الأعلى