مدارج العابرين

بقلم: إبراهيم عثمان
من أكثر العبارات تداولاً عند أنصار الحكومة هي (صبرتم على الإنقاذ ٣٠ عاماً فلماذا لا تصبرون علينا ٣ سنوات ؟)، ومن الواضح أن هناك صابرون يحلمون بالعبور، نعم أعدادهم في تناقص، لكنهم موجودون ويمكن أن تزداد أعدادهم ليشكلوا الأغلبية إذا نجح القائمون على الأمر في هندسة وعي الجماهير والتحكم فيه لترتفع الحقائق التالية من مثبطات إلى محفزات علماً بأن كلٌ واحد منها يمثل ركناً أساسياً في بناء وعي العبور وسينهد البناء في غيابه :
– أن العبور دائماً تنجزه الحكومات الانتقالية غير معلومة الأجل، فإن صبر الناس، طوعاً وكرهاً، لنصف المدة المطلوب منهم الصبر عليها، فسيقال لهم إن المدة ستبدأ للتو، والمطلوب منكم صبر مضاعف، فعبور العام ونصف قبل الانتقالي قد وضعنا في قلب معاناة العابرين، وهكذا يكون العبور عادةً .
– أن العبور الاقتصادي الشامل لن يتحقق إلا بقيادة رجل ينوب عن قائد الدعم السريع، فيقول النائب سنعبر، ويقول القائد سنفشل، فبين القولين براح واسع يكشف عن المدى الذي بلغه التعايش المفضي إلى العبور.
– أن العبور في مجال صناعة النفط سيتحقق بفصل الموظفين الذين أشرفوا على تأسيس هذه الصناعة وتعيين الذين حاربوها ردحاً من الزمن بالحجة وبالتحريض وبالعدوان المباشر. فلا حب إلا بعد عداوة، ولهذا سيديرونها بحب وحماس المتصالحين لا بملل و روتين المؤسسين.
– أن العبور في مجال إنتاج الكهرباء لن يكون إلا بإدارات جديدة غير التي أنشأت السدود والمحطات الحرارية والخطوط الناقلة، وأن السدود لن تُدار بكفاءة إلا بواسطة من شككوا في جدواها .
– أن العبور في التعليم العالي سيكون متعذراً إن لم يتم عزل الإدارات التي أنشأت معظم الجامعات ووسعت بقيتها، على أن تحل مكانهم إدارات مؤدلجة كانت تقاوم قيام هذه الجامعات غيرةً أو تشكيكاً في الجدوى .
– أن العبور في التعليم العام يبدأ عادة بالعجز عن التسيير وشحدة السفارات والخاطر المكسور، وأن مناهج العبور التي تراعي التنوع لا بد أن يضعها أصغر أطراف التنوع وأكثرهم شذوذاً في الأفكار.
– وأن العبور من نظام يجوع الشعب برفعه للدعم عن المحروقات إلى نظام يشبعه سيتحقق إذا – وفقط إذا – قام المشفقون على الشعب في سنة واحدة برفع للدعم كاسح ويعادل عشرين ضعفاً للرفع الكسيح المتدرج السلحائي الذي استغرق ٣٠ عاماً وكانت أرقامه هزيلة لم تعادل عدد السنوات لسعر الجالون .
– أن العبور القيمي والأخلاقي لن يكون إلا بالإنطلاق من نقطة الصفر لنعود إلى العالم ونحن متخففون من أثقال الثوابت ورهق المبادئ وأحمال القيم.
– وأن العبور الثقافي والفكري لن يتحقق إلا في جو فضائحي بعد إعادة تعريف الكلمة لتحميلها بمضامين إيجابية، ليتناسب عبورنا تناسباً طردياً مع الأجزاء المكشوفة من أجساد النساء والرجال، ومع حجم المواد والعروض الفاضحة المستثناة من المنع بنص قانوني فضفاض.
– أن حكومات العبور لا بد أن تتأسس شراكتها على التنافس وعدم الثقة، لتكون هناك قرارات سرية كبرى ذات ارتباط بالخارج يتحدث الشريك عن عدم علمه المسبق بها فيتمكن من تعديلها أو لا يتمكن، فالإلغاء متعذر، ليطمع صاحب القرار في ثمرات قراره كاملة، وليطمع الشريك العاجز في أن يجد نصيباً من الثمرات (بعثة الوصاية الأممية، والتطبيع).
– وأن حكومات العبور عادةً تكون لقيطاً لا تتبناه الحاضنة الأم تمام التبني ولا يعترف به الحاضن والحامي الأب تمام الاعتراف.
– وأن حكومات العبور عادةً تزاوج بين الأسود والرمادي في القرارات وفي الدفاع عنها فتكون بعض قراراتها شديدة الوضوح شديدة الوطأة على الجماهير، وتكون المواقف منها رمادية تتراوح بين الصمت المتواطئ والتخفظ الخجول .
على هذه المسلمات، وغيرها من ذات الشاكلة، لا بد أن يتأسس وعي العبور، والتاريخ سيحكم إن كان واضعو هذه المسلمات عابرين بنا أم عابرين في تاريخنا.