آراء

إبراهيم عثمان يكتب: عذراً حاجة آمنة

بالأمس تمايل الرفاق ورقصوا وضحكوا مذبوحين من الألم والطرب وهم يستمعون إلى الأصوات الشجية وهي تبدع في تنغيم: (حاجة آمنة اِصَّبَريعارف الوجع فى الجوف شديد عارفك كمان ما بتقدري) واليوم، مع وجعك الذي تضاعف كما سعر الوقود أكثر من عشرين ضعفاً، أصبح توجعك تهمة، وتألمك جناية، وشكيتك مؤامرة على دولتهم .

أما إدعاؤك عدم القدرة على الصبر فهو مردود عليك فقد صبرتِ ل ٣٠ عاماً حتى وصل سعر جالون البنزين إلى ٢٧ جنيهاً، فكيف تعجزين عن الصبر وهو بالكاد يصل خلال عام ونصف إلى ٥٠٠ ؟! لا عذر لك حتى إن كان سعره الجديد، مع السعر الجديد للدولار، أصبحا حجة كل من يضاعف سعر سلعته أو خدمته عدة مرات .

أما (جاهلك الذي شكى وبكى) فالقوم الآن مشغولين بحمايته من سورة الزلزلة وسائر سور القرآن الكريم، لعلها كانت من بين مسببات بكائه وشكيته، أما عيالك الأكبر سناً فالقوم من شدة حرصهم عليهم يمرمطون كرامتهم الآن على أبواب السفارات يشحدون لهم الورق لطباعة مناهج الجمهوريين، ومع ذلك لديهم بقية من كرامة تمنعهم من استلام عطية مزين، و لديهم من الشفافية ما يجعلهم لا يستحون من “فضح” السفارات التي قالت لهم الله يدينا ويديكم .

كان شاعرهم الشفيف يقول (سرحتي فى هموم العيال كيفن يعملوا مع الدروس)، والآن، حيث لا دروس ليحملوا هم كيفية العمل معها، الآن لعل الشاعر الشفيف بهرته وعقدت لسانه شفافية مدير المناهج الذي قال لك قبل أكثر من شهرين بأنهم سيؤجلون العام الدراسي لأن (الأسعار الخرافية وانعدام الأكل والشراب والمواصلات تسبب الاضطرابات والمظاهرات خصوصاً في الجامعات)، ولعل صبرك لشهرين لم يذهب سدىً فقد تحسنت الأحوال كما ترين كثيراً ولم تعد الحكومة تخشى من مظاهرات عيالك .

كان شاعرهم الشفيف يقول: (طلع الصباح لو ليك مراد يا حاجة ما تطلع شمس والليلة عندك زى أمس)، واليوم تطلع عليك الشمس وأنتِ في صف الرغيف الذي تضاعفت أسعاره، وباقي أسرتك موزعين على الصفوف الأخرى، وكل أملك أن يكون الليلة زي أمس في أسعاره وطول صفوفه وكل صنوف بؤسه لا تزيد ولا تتصاعف كما يحدث هذه الأيام، لكن شاعرنا الشفيف أصبح يعتبر أن الوقوف القوي معك ووصف معاناتك مؤامرة رجعية لا تليق بالثوار المبدئيين . لكن لا بأس من التضامن البارد معك – بغير الشعر – بشرط أن تُحمَّل المسؤولية لغير الحكام.

كان شاعرهم يقول: (لسه الرويدى مع الصباح من مدة ماجاب ليك خبر كان جوفو زى جوف العيال من مدة داير ليه حجر)، والآن جوف الرويدي، بعد إفراغه من الهوس الديني، أصبح مليئاً بالكثير من الأخبار المفرحة لك، لعل أولها أن الرويدي انتقل من مرحلة الحاجة إلى الحجر ليخادع جوعه إلى مرحلة البحث عن عابدي الحجر ليعانق روحه ونصفه المفتقد، وانتقل من فقر الحديث عن حجابك الطالباني إلى غنى التبشير بزيك الجميل الذي لا يغطي على عقلك الحر ولا على جسدك المنطلق المتحرر من قيود الدين وأغلال الأعراف والتقاليد البالية البائدة.

عذراً حاجة آمنة إن لم تجدي نصيبك المعتاد من شعر التضامن الشفيف في عز الأزمة، عذراً إن تقاصرت قريحة الشعراء عن اللحاق بقطار الهم المنطلق بك بسرعة الصاروخ، فالشعراء والساسة الملهمون يشغلهم ما هو أهم، وكله لمصلحتك؛ تشغلهم المحاصصات التي يريدون عبرها أن يعظِّموا حصة “ناسك”، ويشغلهم بيع ما يحقق عائدات في الخارج مما أوهمك المهووسون إنها من ثوابتك، وتشغلهم صياغة قانون أحوال شخصية على يد متضامنة مع ملحد أراد مناظرةً يثبت فيها عدم وجود الخالق، ومتضامنة أخرى مع صانعات الخمور، ومع تعديل مادة الدعارة التي كانت بصياغتها القديمة تتسبب في مشكلات لك إن تواجدتِ في مكان كان المهووسون، بوعيهم القاصر، يعتبرونه مريباً. وأنتِ، في وعي الرفاق المكتمل، عادةً ترمز لك صانعات الخمور، وغاشيات الأماكن التي تريب الجهلة.

أما الخاتمة (لازمك كتير شان تقدري) فمن يقول بمثلها الآن في تظاهرة تهدف لإسقاط حكومة الشعراء، فسيجد أن عسكر المدنية قد وضبوا له القضية التي تجعله يندم على التفكير في تحويل التضامن معك من شعر وهتاف إلى عمل.

زر الذهاب إلى الأعلى