إبراهيم عثمان يكتب: أقحاتي ومقنع كاشفات ؟!

أحد القحاتة في أيام معارضته للإنقاذ كان يزعم بأن هناك مظاهر للانحلال في الشارع وانتشار كبير للدعارة.. وكان يقدم تفسيراً وحيداً لما يزعمه وهو تردي الأوضاع المعيشية .

حقيقةً، مع ملاحظتي للتسييس الظاهر في حديثه، لكن كنت أظن أنه كسوداني أصيل تستفزه مظاهر الانحلال، وأنه مهما تعلمن وتغربن سيبقى شئٌ من “مقنع الكاشفات” الكامن داخله، وكان ذلك يريحني نوعاً ما رغم علمي بهجومه الكثير على النظام العام و”تدخله في الحريات الشخصية” كما يقول .

تذكرت حديثه هذا عندما كنا في نقاش أجمع المشاركون فيه على أنه الآن توجد مظاهر انحلال لافتة وأن الدعارة تكاد تكون علنية .. حاول في البداية أن ينفي وجود الظاهرة, لكن لما تكاثرت عليه الشهادات اقترب من التسليم وبدأ في التبرير، وكان تبريره يستند على أن الظاهرة ليست بالحجم الذي تزعمونه، وأن الدولة ليست مسؤولة عن أخلاق المجتمع ولا يجب أن تتبنى وجهة نظر ومقاييس للفضيلة تفرضها عليه، وأن الحريات الشخصية يجب أن تُصان في الدولة المدنية ما لم تخالف القانون، وأن الإسلام كفل حرية الكفر والإيمان فما بالك بحرية السلوك الشخصي الذي لا يؤذي الغير، وأن الإسلام يمنع التجسس على الناس والوصاية عليهم وأخذهم بالشبهات واتهامهم بالباطل ووصف سلوكهم الشخصي بالانحلال، وأن هذه الكلمة فضفاضة ولا يجب أن نسلم بتعريفها الذي تحدده جماعات “الهوس الديني” .

دون أن أذكره بما كان يقول سابقاً قلت : إن أهم عامل في تفشي الظاهرة مؤخراً هو الخط العام للحكومة الذي ذكرت أنت بنفسك بعض ملامحه، وهو خط متسامح مع مظاهر الانحلال إن لم يكن مشجعاً لها. والأدلة كثيرة، يكفي غضبة وزير التعليم من انشغال المرأة بتغطية ما ينكشف من جسدها للتدليل على ماتريده الحكومة.

كان ملخص رده: هذه الطريقة في النظر إلى الظواهر غير علمية لأنها ترد الظواهر المركبة إلى عامل وحيد، وحتى هذا العامل الوحيد أنت اخترته بعناية للتوظيف السياسي ومكايدة الحكومة .

قلت : لا تستعجل، أنا قلت أهم عامل ولم أقل العامل الوحيد، وأضيف العامل الثاني في الأهمية وهو الوضع المعيشي الذي بلغ مستوىً من التردي غير مسبوق . والعامل الثالث ، وهو مرتبط بالأول، أقصد وجود أصحاب استعداد لهكذا سلوك شجعهم غياب الزجر وتشجيع الحكومة .

قال : أراك لا زلت تدور في فلك التسييس، ورد الظاهرة إلى الأزمة الاقتصادية فيه كسل وتسطيح كبير ، والمجتمع في ظل الدولة المدنية مجتمع حر وتقل فيه مساحة الدسدسة ويظهر بشكله الحقيقي الذي كانت تخفيه سياسة الكبت، وفي ظل الحريات تتلاشى العُقد وتنطلق الأمم وتتقدم، أنظر إلى الغرب الذي تجاوز مثل هذه النقاشات المتخلفة إلى أين وصل .

قلت: إذن الآن أذكرك بما كنت تقوله وما كان يقوله سائر القحاتة ومكابرٌ من ينكر ذلك. أنت شخصياً كنت: أولاً تمارس التصخيم الذي تستنكره الآن،، وثانياً : تستخدم الطريقة التي تصفها باللاعلمية والمسيسة، بل وتستخدم نسخة أردأ منها، وهي طريقة رد الظاهرة المزعومة إلى عامل وحيد هو العامل الاقتصادي!! ولأن الأمر كان سيكون كذباً مكشوفاً، لم تستطع أن تضيف عامل توجه الدولة .

وأنت الآن تنفي تأثير العامل الإقتصادي رغم أن التردي كبير وغير مسبوق، وتدين توجه الدولة وقتها وتصفه بالكبت وتدافع عن توجه الدولة الآن المتساهل مع الظاهرة، وتعود إلى حجوة الحرية الشخصية، وهو الأمر الذي يعني أن استنكارك القديم لم يكن حقيقياً وإنما كان مجرد تكتيك سياسي .

وهكذا في كل يوم نكتشف أن حيلة التدرج تأخذ مكانة مركزية بين حيل القحاتة، بحيث تبدأ الحيلة بمرحلة المنافقة للمستقر في الوجدان، ثم تعقبها مرحلة الزحزحة والخلخلة، ثم مرحلة العمل على إعادة تشكيل الوجدان، وأخيراً تأتي مرحلة موت الخم وهي مرحلة البجاحة السلطوية وإعلان وتطبيق المشروع المضاد وفي هذه المرحلة يموت مقنع الكاشفات المزيف وتخرج علامات الدياثة العلمانية .

لن يتظاهر “معظم” القحاتة بالدفاع عن قيمة تتفق مع الوجدان السليم إلا كمقـدمة لإستهدافها، ببجاحة، لاحقاً .

زر الذهاب إلى الأعلى