د. عمر كابو يكتب: للمرة التاسعة أطلقوا سراح المعتقلين

حين ردد الثوار نغمة (حرية سلام وعدالة ) تلقفها الضمير الوطني و أصبحت شعارًا محفوظًا ردده الكل عن حب وقناعة و يقين ؛لأن هذه الكلمات الثلاث لها في نفوس كل السودانيين وقع خاص منزلة وتقديرًا و إيثارًا؛
ففي سبيل الحرية قدم أجدادنا أنفسهم رخيصة من أجل أن ينعم هذا الوطن بالعيش عزيزًا إلى الدرجة التي صارت غناء و نشيدًا(سيد نفسك من أسيادك )، و أما السلام فهي ذات القيمة المضافة التي دفعنا من أجلها فقط في الثلاثين عامًا الماضية أكثر من عشرين ألف شهيد هم من خيرة أبنائنا الأماجد العظماء كان كل واحد منهم شامة وهامة و قامة في الناس،فقد استشهدوا من أجل إرساء دعائم هذا السلام بل قد ضحى هذا الوطن بجزء عزيز و غالٍ منه لأجل قيمة السلام، و إذا كانت العدالة قد اشتق اسمها من اسم الله العدل فإن التجارب البشرية المختلفة أثبتت أنه ليس هناك بديل منها سوى شريعة الغاب التي ينص قانونها على أن (القوي يأكل الضعيف).
فجأة اكتشف الثوار بل الشارع السوداني بأسره أن شعارات الثورة اختطفت بليل من قوى اليسار مثلما اختطفت ثورتهم المجيدة، انتبهوا فجأة إلى أن حكومة حمدوك ماهي إلا مجموعة ناشطين سياسيين لم يستطيعوا حتى هذه اللحظة أن يفرقوا بين إدارة الحزب وبين إدارة الدولة ولذلك تردت الخدمات بمستوى أصبح كل شيء في الدولة في حكم الأزمة والسبب أن هذه الحكومة تريد أن تدير ملفات الدولة بعقلية الناشطيين السياسيين القائمة على (الهتاف و الصراخ).
و ينسحب الأمر كله حتى على مجموعة القيم التي ظلت تنادي بها الثورة ومن عجب فإن شعار الثورة نفسه لم يسلم من هذا التردي برغم كونه من صميم أعراف و تقاليد هذا الشعب الأصيل.
الآن يا سادة الهم الأساسي للدولة ليس حل الضائقة الاقتصادية ولا مخاطبة مشاكل الناس وأزمات المواصلات و الازدحام المروري والنهب المسلح وانتشار عصابات النيقرز و تردي الصحة إنما الهم الأساسي و الشغل الشاغل لهذه الحكومة هو تصفية حساباتها مع خصومها من الإسلاميين من جهة كونها حكومة تمثل رؤية الحزب الشيوعي العجوز غير آبهة بأن تدوس على قيمها و شعارات الثورة تلك في تنكر تام له وتنصل عن استحقاقاتها
لكن في مقابل ذلك عاد الوعي لهذا الشعب والذي وصلت به مرحلة التذمر والغضب إلى المدى الذي يفتح الباب على مصراعيه أمام كل الاحتمالات بما فيها المواجهات المسلحة بعد أن وصلت إلى قناعة تامة بأن هذه الحكومة لا تبالي إن ضاعت دولة القانون أو انتقصت هيبة الدولة و جلالها، هذا الوضع خلق حالة من الاحتقان استوت عندها كل درجات التفكير وتعالت في هدير ترفض الظلم وتأبى الانكسار.
لقد طالعت تصريحات بروفيسور غندور الرافضة للظلم و الاعتقالات التعسفية حين ذكر حكومة حمدوك الشيوعية أن الاعتقالات والتهديدات لا تخيفهم وأنهم سيبذلون الجهد غاليًا من أجل ألا تنزلق البلاد نحو الهاوية، ولم ينس تذكيرهم بأنه حين مد الأيدي بيضاء من غير سوء فمن أجل وطن معافى من العصبية والإقصاء. لكن مالم يقله غندور هو أن هذه الاعتقالات أصبحت أمرًا غير محتمل وأن وجود الدولة الآن بعيدًا عن مسوغات القانون و اعتقالهم لمحض كونهم قيادات سياسية مخالفة لمشربهم السياسي فقط أي دون وجه حق إنما يضرم مزيد نار في ملعب السياسة المشتعل، فإن لم يتم إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين فإن ذلك سيؤدي إلى حريق و أذى ربما ذهب بأمن البلاد هذا ما نخشاه و نخافه.
و من هنا تظل دعوتنا ثابتة و ملحة و للمرة التاسعة اعقلوا الأمر و أطلقوا سراح جميع المعتقلين السياسيين فورًا لتجنبوا البلاد؛ متاهة الضياع فليس بعد ضياع القانون إلا سيادة شريعة الغاب.