إبراهيم عثمان يكتب: وعود القحاتة وتراجعاتهم

لا يستطيع حتى المكابر أن ينكر الحقيقة التي تقول إن الملامح (الرئيسية) لمشروع قحت الجاري تطبيقه تتشكل من حصيلة إقدامات على القبح الذي يمثله المشروع الأصلي وتراجعات عنه تحت الضغط بحيث ينقسم المشروع الجاري تطبيقه إلى:

قبيح تكاسل الناس في مقاومته كما يجب “فعبر” وألغى الجميل .. وقبيح ينافس الجميل ويزاحمه دون أن يتجرأ على إلغائه في هذه المرحلة (السماح بالخمور الذي يجاور منعها، والنظام الربوي الذي يزاحم الإسلامي، والسفور الذي ينافس الحجاب .. الخ) .. وجميل “نسبي” لا يتراجعون إليه إلا مضطرين بعد الإيغال في القبيح وحدوث الممانعة، وهو نسبي لأنه يحمل بعض شوائب القبيح المحروسة بالنيات والرغبات في تجاوز الممانعات التي اضطرتهم إلى التراجع.

وهذا غيض من فيض الأدلة :-

▪️ طمأن قادة قحت الشعب بأنهم لن يفرضوا العلمانية لأن هذا ليس من صلاحيات الحكومة الانتقالية . والوعد بعدم التطبيق لمشروع لا يمكن أن يكون طمأنةً للناس إلا بوجود يقين بقبح المشروع . لكن الآن حدث التراجع عن الوعد ولا يوجد مجال “أنجزت” فيه الحكومة مثلما فعلت في مجال العلمانية.

▪️ بدأ التنكر للوعود بالوثيقة المسماة دستورية التي حوت في نسختها الأولى معظم القبيح القحتي وعلى رأسه العلمانية، لكن سرعان ما ظهرت وثيقة ثانية وكان جديدها هو التراجع عن الوعد باستقلال القضاء لتعيين رؤساء الأجهزة القضائية المسيسين .

▪️ تلا ذلك التنكر للوعد بحكومة رشيقة من كفاءات مستقلة وبعيدة عن المحاصصات، والحكومة التي شُكِّلت لم تحقق أياً من هذه المواصفات، والآن في التشكيل الجديد ذهبوا خطوات أخرى وتراجعوا عن شروط الرشاقة والاستقلال والبعد عن المحاصصة.

▪️ وعدوا برفع المعاناة لكنهم تراجعوا فوراً وذهبوا إلى أقصى حدود اللامسؤولية باستسهالهم لقرارات رفع الدعم القاسية، وأيضاً وصلوا إلى أقصى درجات التنصل من المسؤولية عن نتائج وآثار قراراتهم، وما بين القرار “الشجاع” الأقصى والتنصل الجبان الأقصى مباينة وتضاد لا يعالجهما إلا كذبٌ أقصى يحتقر العقول .

▪️ شدَّد حمدوك في خطاباته الأولى على الإعتماد على الذات وتجنُّب الشحدة (لا نحتاج لأي هبات او صدقات سريعة تجلب لنا المذلة وتعطي الغريب الحق للتدخل في السيادة السودانية او ليمارس دور الوصاية)، لكن الشحدة في عهده أصبحت أسلوب حياة ووصلت إلى حد التسول على أبواب السفارات للحصول على ورق لطباعة المناهج فكان التجاهل المذل.

▪️ وعدوا بمناهج دراسية بعيدة عن الأدلجة والتسييس، وتراجعوا واختاروا للمهمة “أجرأهم” على الدين وأكثرهم أدلجةً وتسييساً، وما طُبِع من مناهجه – بعد الشحدة الخارجية والداخلية – تم تجميده في تراجع تكتبكي حملهم عليه تهور القراي وخروجه على خطة التدرج المحسوب.

▪️ شدَّد حمدوك في خطاباته الأولى على التمسك بالسيادة واستقلال القرار لكن لم يمضِ. وقت طويل حتى اكتشف الناس أنه كان قد طلب، بلا إعلان، بعثة أممية بصلاحيات كبيرة.

وعندما انكشف السر كان الإجماع بأن تلك الصلاحيات التي تبرع بها ذات طبيعة وصائية مستفزة فاضطر للتراجع وكتابة خطاب ثان علني هذه المرة يخفف “قليلاً” من حجم الوصاية.

▪️ قطع حمدوك والناطق الرسمي باسم حكومته وقطعت بعض أحزاب قحت بأن قرار التطبيع مع إسرائيل ليس من صلاحيات الحكومة الانتقالية، واشترط حزب الأمة موافقة برلمان “منتخب” لكن الجميع تراجعوا وذهبوا بعيداً في طريق التطبيع .

▪️ أكد حمدوك وشددت حكومته على حماية الحريات السياسية وألغوا صلاحية جهاز الأمن في الإعتقال والتحري، ثم تراجعوا ونقلوا صلاحياته الملغاة إلى لجنة التمكين لتمارسها، ولتمارس كرمها الحاتمي وتتقاسمها مع النشطاء ( كعلاء الدين الدفينة).

▪️ وعدوا بتقليل الصرف على القصر الرئاسي ومجلس الوزراء وعدم استخدام السيارات الفاخرة لكنهم سرعان ما تراجعوا ولم يكتفوا باستخدام الموجود بل وشرعوا في استيراد المزيد لكن مع وصول الخبر إلى الإعلام تراجعوا تحت ضغط الرأي العام .

▪️ وعدوا بتقليل الصرف الحكومي ومخصصات الدستوريين ثم تراجعوا وكانت الوظائف والرواتب الدولارية، ومكتب حمدوك امتلأ بالموظفين وشلة تتمتع بامتيازات كبيرة وصلاحيات واسعة لم يعهد الناس مثلها في فترة بكري حسن صالح ومعتز موسى ومحمد طاهر إيلا.

▪️ وعدوا بالديمقراطية لكن أسباباً معلومة كان خالد سلك قد اعترف بها جعلتهم يمددون أجل الفترة الانتقالية ويتحاشون ذكر الانتخابات، هذه الأسباب هي التي جعلت حزب الأمة ينفرد دون سائر أحزاب قحت بالحديث، في أوقات الخلاف، عن الانتخابات فتلاحقه اتهامات التخوين .

▪️ حتى بعض تجارهم ورجال أعمالهم النافذين كان لهم نصيبهم في القرارات القبيحة المتراجَع عنها، فبعد أن وعدوا بالحرص على الدولار الشحيح وتخصيصه للاحتياجات الضرورية، تراجعوا وأضافوا السجائر لهذه الاحتياجات الضرورية، ثم تراجعوا مرة أخرى تحت ضغط الفضيحة.

زر الذهاب إلى الأعلى