إبراهيم عثمان يكتب: معالم في طريق التغنيم

لا يسهل إحصاء الحالات التي استغل فيها القحاتة مبدأ الغاية تبرر الوسيلة إلى أقصى حد ثم عادوا ليتهموا من كانوا يقاومون هذا الاستغلال بأنهم، هم وحدهم، المسؤولون عن النتائج!.
وإن بحثنا عن العنوان الأبرز الذي يلخص عملهم المعارض فلن نجد أنسب من (تعظيم الثمن الذي يدفعه الوطن طالما لم يتم إسقاط الخصوم السياسيين).
أما العنوان الأبرز لفترة حكمهم فهو (البحث عن الشماعات والتبرؤ من الآثار الباقية لنضالهم) .. وهذا غيضٌ من فيض الأمثلة:
▪️العقوبات :
عجبت لمن يتفاخرون بأدوارهم الكبيرة في فرض العقوبات، ويعتبرونها وسيلةً مشروعةً لإنهاك النظام السابق ثم إسقاطه، من أين يستمدون هذه الثقة بأن البلادة والحالة القطيعية تسيطران على العقول لتقتنع أن النظام السابق وحده قد دفع ثمن المعاناة الاقتصادية، وأن الشعب كان بمنأى عن دفع ثمن نضالهم وبالتالي لا يحتاجون حتى للإعتذار له؟!.
وكيف غفلوا عن أن دعواهم الكاذبة هذه لن تصح إلا في حالة واحدة: وهي أن النظام السابق – لشدة رأفته بالشعب أو لخوفه من غضبه- كان يفعل الممكن والمستحيل ليتحمل الآثار وحده ويجنِّب الشعب تحمُّلها معه!.
من أين يستمدون الثقة بأن أغلبية الشعب من الجهلة الذين يجمعون بين تحية نضالهم الناجع لإنهاك النظام السابق اقتصادياً وإعفائهم من مسؤولية فشلهم الكبير الحالي بحجة أولى تتمثل في “التركة الثقيلة” التي يتفاخرون بدورهم الكبير في تعظيمها؟!.
لو كانوا قد أثبتوا أن مفاعيل وسيلتهم التي بررت الغاية ستتوقف فور تحقيقها أو بعدها بقليل، ولو لم تتضاعف المعاناة عدة مرات، لربما غفر لهم بعض المخمومين معاناة الماضي بنعيم الحاضر.
أما وهم -بشماعة التركة التي لا تفارق ألسنتهم – يصرون على أن آثار واحد من أهم أساليبهم النضالية عميقة وباقية وتتجاوز قدرتهم، خلال سنوات، على الإيقاف وعكس الإنجاه رغم رفع العقوبات و”العودة إلى العالم”، أما والحال كذلك، فالواجب عليهم الاعتذار عن معاناة الماضي وجوع الحاضر، فلهم في الأولى إرث من الحماقة والجهل وغش الكادحين، ولهم في الثانية عرق يتعانق فيه الماضي وعدم كفاءة الحاضر .
عجبت لهم كيف يتنافسون على محاصصة مناصب النفط والمعادن والكهرباء والطرق والجسور والجامعات وغيرها، والمنافسة الرئيسية بينهم كانت، حتى حين قريب، على إثبات قدرتهم على المساهمة في فرض العقوبات التي تمنع قيامها أو تعرقل ما فلت من العقوبات منها؟!.
كيف جاز للمناضلين بالعقوبات ألا يشعروا بوخزة ضمير وهم يتولون -دون الشعب- المناصب في المؤسسات التي أفلتت من عقوباتهم وكانت صلتهم بها وشاية وتحريض وتفجير وتشويه وتقليل من الأهمية.
كيف جاز لهم أن يطردوا كل من أسس وبنى من الصفر وتصدى للوشايات وتحدى العقوبات، بتهمة التمكين وعدم الكفاءة، ثم يتمكنوا هم ويقللوا من جودة الخدمة ويضاعفوا الأسعار ويطمعوا من الشعب أن يشكرهم صباحَ مساء!.
▪️الحروب:
عجبتُ لمن يتفاخر بأنه لولا حروبه (لما تم منع إقامة جنة الخلافة في الأرض) و(لما كان هناك استنزاف للميزانيات بمليارات الدولارات سنوياً، ولما كان هناك جوع وبالتالي لما كانت هناك “انتفاضة”)، كيف جاز له أن يتحدث عن المظالم وصنعها كان هو وسيلته النضالية الأول للوصول إلى غاية إسقاط النظام؟!.
وكيف جاز له بعد هذه المفخرة النضالية أن يبرر جوع الحاضر بـ”التركة الثقيلة” وأن يعدد صور التقصير ويتباكى على جوع يتبجح بأنه يمثل مساهمته النوعية في صناعة التغيير؟!.
وكيف جاز له أن يصف قتلى ميليشياه بالشهداء وهدف معاركهم كان هو صناعة الجوع وإسقاط النظام وصناعة النظام الذي يرث المعاناة ويطورها إلى جوع كافر؟! وكيف ينظر في عيون الأبرياء من النازحين والمنهوبين وكل من دفعوا ثمن نضاله التجويعي؟.
إن كان يؤمن بصناعة الجوع وسيلةً لغايةٍ نالها في النهاية، فما هي كفاراته لهم عن أضرار أخرى أكبر من الجوع؟ وكيف جاز له بعد ذلك أن يطلب من الدولة المنهكة بنضاله القاتل أن تدفع ثمن مغامرته وتقتطع من قوت الجائعين في الحاضر لتعالج آثار حروبه التي صنعت معاناة الماضي؟! وكيف جاز له أن يطلب تعويضه شخصياً بمناصب وصلاحيات تقديراً لدوره الكبير في صناعة الجوع؟!