إبراهيم عثمان يكتب.. الفوضى المنكورة والفوضى المغفورة

كثيرةٌ هي مظاهر الانفلات والفوضى في زمن القحط هذا، يشمل ذلك، من بين ما يشمل، فوضى الأسعار، والتهريب،

والأزمات المتفاقمة، وفوضى المواصلات، وتراكم القمامة في الشوارع . ويشمل الانفلات الأمني وحالات السرقة والنهب.

وفي كل هذه الحالات تتبرأ الحكومة من المسؤولية، وتجمع بين اتهام الدولة العميقة بصناعة هذه الفوضى، واتهام المكون العسكري والأجهزة النظامية بالمساهمة في صناعة ورعاية هذه الفوضى،

أو على الأقل التقصير في التعامل معها بالحسم اللازم.

لكن هناك مظاهر أخرى للفوضى لا تقابلها الحكومة وأنصارها باتهامات للدولة العميقة بالصناعة، ولا للمكون العسكري والأجهزة النظامية بتعمد عدم الحسم أو بالتقصير في ذلك، ومن أهمها :

▪️ *الانكشاف الأمني أمام أجهزة المخابرات الأجنبية:* فقد تكررت الشكوى من قادة عسكريين من هذا الانكشاف أيام الاعتصام، وبما أنه لم يتم ضبط أي متعامل مع هذه الأجهزة فالأرجح أن ثغرات الانكشاف لم يتم سدها ..

ربما غابت اتهامات الحكومة وأنصارها للأجهزة النظامية بالتقصير في التعامل مع هذا الوضع بسبب علاقات التبعية القديمة والمستحدثة، وبسبب المنافسة والاستقواء بالخارج

، وهذا ما يرجِّح فرضية أن يكون لكل جهاز مخابرات أجنبي “ناسه” غير البعيدين عن دوائر السلطة،

ولعل في التراخي النظامي، إن كان هناك تراخي، ما يحفظ شعرة معاوية ويحافظ على الشراكة التي ربما تكون مستمرة أصلاً بالتأثير الحاسم للوساطات والجوديات وربما التعليمات المخابراتية الأجنبية .

▪️ *فوضى الشارع والأزياء الفاضحة والسلوك الفاضح وتعاطي الخمور والمخدرات علناً :*

والسبب لعدم وجود اتهامات للأجهزة النظامية بالتقصير معلوم، فهذه عناوين في المشروع العلماني، وبعضها خُصَّ بتعديلات قانونية تشرعنه

، ويُنظَر لصانعي هذه الفوضى كحاضنة شعبية للحكومة، أو كأكثر أطراف الحاضنة ولاءً وإيماناً بالمشروع، ويُنظَر بإيجابية لتفشي هذا النوع من الفوضى/الحريات الشخصية

، والشركاء العسكريين أصحاب مقولة “الدين خط أحمر” كانوا شركاء في الشرعنة القانونية ولم يبدر منهم ما يشير من بعيد أو قريب بأنهم قد قدَّروا بأن هناك تجاوزاً قد حدث لأي خط أحمر،

بل إن قواتهم التي تتفرج على هذه الفوضى كانت شديدة في التعامل مع التظاهرات التي حاولت مقاومة الشرعنة القانونية .

▪️ *الاعتداء على الموظفين والمسؤولين في مكاتبهم ؛*

والسبب الذي يمنع إتهام الأجهزة النظامية بالتقصير في حسم هذه الفوضى معلوم، إذ لا يجرؤ على هكذا اعتداءات إلا لجان “المقاومة”،

وهذه لها حصانة من الاتهامات أياً كان نوعها، وكل تجاوزاتها مغفورة، ويتفق على تدليلها المكونان الحاكمان؛ المدني طمعاً، والعسكري خوفاً،

وفي اكتسابها لهذا الحق تطمينٌ للمكون المدني بأن لجانه فاعلة وقوية وستحرسه وتحرس سلطته حتى إن تجرأت أحياناً وخرجت عليها بشكل محدود،

فتطرفها وعدم انضابطها هو من النوع المرغوب، أو على الأقل المُتَفهَّم ما دام ولاءها ثابت ويمكن استخدامه في مواجهة الشركاء والخصوم .

زر الذهاب إلى الأعلى