البلد دي ماشه وين؟

بقلم: محجوب فضل بدري
لاتزال الإجابة على السؤال المتداول بين المهمتمين بالشأن السودانى (البلد دى ماشة على وين؟) فتجئ الإجابة التى تكاد تكون ثابتة لدى الجميع (البلد إنتهت !!) وفى هذا يتساوى العالم والجاهل والسياسى والناشط،
واليمينى واليسارى والكاتب والقارئ والمتشائم والمتفائل والشامت والحانق، ولكن هل هذه الإجابة هى الحقيقة المحتومة؟.
فالواقع يقول بذلك فالمصائب والنكبات والأزمات يأخذ بعضها برقاب بعض و(الناس بين عايشة ودايشة والدنيا كده كده ماشية) والسياسيون يصرِّحون والناس يصرخون والشمس تشرق وتغيب والأيام تتوالى والاقنعة تتساقط والفشل يتكشَّف والتعديلات والتبديلات تُجرى، والزيارات تُتبادل، والاتفاقيا تُعقد وقد إستيأس القحاطة (وكل احزاب اليسار) من النجاح فى تسيير دفة الحياة اليومية وأيقنوا أنَّ الحل ليس فى البل.
كما إستيأس الذين من قبلهم من الإسلاميين من العودة إلى الحكم منفردين كما كان يتبدى للناس خلال العقود الثلاثة المنصرمة وإن كان ذلك غير صحيح او غير دقيق إن شئت.
فقد شاركت الإنقاذ كل مكونات الطيف السياسى والإجتماعى فى مستويات الحكم المختلفة حتى تدنَّت نسبة مشاركة الحزب الحاكم الى الثلث فقط وليس شعار (حرية سلام وعدالة) سيئاً فى حد ذاته لكن العبرة فى تنزيله على أرض الواقع مثلما يًقال على الضفة الآخرى من النهر (الإسلام هو الحل) والإجابة نعم لكن كيف؟.
كثيرون لاتعنيهم التفاصيل فى جدلية من يحكُم السودان! أو كيف يُحكم السودان! وتظل المعيشة شغلهم الشاغل والأمن هاجسهم المتواصل، وهم يكابدون شظف العيش وانفراط عقد الأمن.
وليس عدلاً أن نقول بأنَّ المجلس السيادى الانتقالى، ومجلس الوزراء الإنتقالى فى شُغِلٍ عن هذه الهموم فاكهون هم وحاضنتهم فى ظلال على أرائك الحكم يتكِؤن، فليس ذلك معقولاً!.
لكن قد حار بهم الدليل ونضب معين الأعذار الواهية والتحجج بإرث الإنقاذ الثقيل ونشاط كتائب الظل المتوهمة وهيمنة الدولة العميقة أو العقيمة على مفاصل دولاب الدولة.
وتمخض جبل لجنة إزالة التمكين فولد فأراً وخفتت بروق إعادة مليارات الدولارات المزعومة وبان كذبها (مبين الكوك عند المخاضة).
وقلبت الدول الداعمة للحكومة ظهر المِجَن فلا رَفع إسم السودان عن قائمة الدول الراعية للإرهاب أثمر شيئاً ولا التطبيع مع إسرائيل انتج قمحاً و الفى البر عوام!.
ولكن هل نستسلم لليأس؟ أم هل نعلن الحرب على أنفسنا ونطلق الرصاص على أقدامنا! وهل يغيِّر ذلك من الواقع البئيس شيئاً؟ بالطبع لا.
وبنظرة الى النصف الممتلئ من الكوب نجد أن الدماء التى ضخها دخول الحركات المسلحة فى تركيبة الحكم احدث حراكاً إقليمياً ودولياً واضحاً وصمتت البنادق فى جبهات القتال ودخلت قوات الحركات الخرطوم سلماً رغم المخاوف والشكوك من خطورة وجود السلاح فى قلب العاصمة فى غير يد الجهات المخولة دستوراً بحمله لكن العافية درجات.
فقد زال شبح الانقلاب العسكرى الذى كان سيدخلنا مرةً أخرى فى الدائرة الخبيثة التى لم تنقطع منذ الإستقلال واستفاقت الأحزاب السياسية (جميعها بلا إستثناء) على هزال رصيدها الجماهيرى وعزوف الناس عن الإنخراط فى سلكها.
فالاحزاب تقوم فلسفتها على التنافس والإقصاء لا التكامل والإئتلاف فيخسر الجميع والمواطن هو الضحية الأولى بلا ريب فلا مناص والحال هكذا الا إنكفاء كل الوان الطيف السياسى على نفسها.
وبلورة فكرة العمل يداً واحدة مع البقية فى برنامج قابل للتنفيذ و نبذ فكرة إنها صاحبة القول الفصل فى الشأن العام قبل الدخول فى مرحلة قيام انتخابات حره نزيهة عقب انتهاء المرحلة الانتقالية التى يجب ان تركز كل جهودها على الإعداد لقيام الانتخابات العامة، والعمل فى الوقت عينه على تحريك قطاع الشباب وتحفيزه على خوض معركة الكفاية من ميادين العمل والإنتاج لا التظاهر والاعتصام.
وقد بدت بشائر التعاون المشترك مع جمهورية مصر الشقيقة باعلان عديد من الاتفاقيات بين البلدين وكلها فى مجال الانتاج الزراعى والصناعى والاقتصادى والإجتماعى.
فنحن امام عهد جديد لابد ان يأخذ دورته فى الاتجاه الصحيح نحو الاستقرار والنماء وصولاً للرفاه مع وجود جيش مهنى يعمل على حماية الأرض والعرض وقبضة أمنية صارمة تكف يد المتفلتين وقضاء حر وقادر ومستقل يقوم بتثبيت أركان العدالة امام القانون الذى يتساوى إزائه الجميع.
وتجاوز الإحن والانتقام والتشفى مع التأكيد على عدم الإفلات من العقاب لكل من أجرم فى حق البلد، بلا انتقائية ولا غرض سوى إشاعة الامن والسلام بين مكونات المجتمع السودانى وما ذلك على الله بعزيز.