إبراهيم عثمان يكتب: عن التنوع المصنوع والتنوع المقموع!

▪️ أصبحت مقولة التنوع الديني تأخذ من الأهمية ما يجعلها تمثل الأساس الذي ينبني عليه كل المشروع العلماني القحتي، رغم قلة الأديان الأخرى غير الإسلام وقلة عدد أتباعها، بينما مقولة التنوع السياسي لا تكاد تجد الاعتراف بها ناهيك من أن تأخذ أي قدر من الإحترام مع كثرة التنوع السياسي، وكثرة عدد المنتمين لأطراف أخرى خارج الأقلية الحاكمة، فلكل هؤلاء ليس لدى الحكومة إلا الدوس الفوري أو المؤجل، أو كما قال محمد الفكي.

▪️ يعزف علمانيو قحت على وتر التنوع الديني حتى تظن أنهم سيقيمون دولة التسامح وعدم التحيز المثالية، ويجِتهدون في البحث عن آخر ديني إضافي غير الموجود (اليهود وعبدة الأحجار) حتى تظن أن لديهم من فائض التسامح ما يزيد عن حاجة أطراف التنوع الموجودة فعلاً. لكنهم بالمقابل يعزفون على وتر الكراهية الدينية ويصنعون مظلوميات ويتهمون دين الأغلبية بأنه المتسبب فيها، ويبالغون في توصيف فداحة الظلم، وكل ذلك من أجل صناعة اشتباك كبير بين الأديان لا تفضه إلا العلمانية! وكأن العلمانية فوق التنوع وليست أحد أطرافه، بل وليست طرف أقلوي متناهي الصغر!. 

▪️ في الواقع لا يتحدث، من غير المسلمين، عن ظلم الإسلام للأقليات الدينية إلا الملحدين، وهؤلاء ليسوا من الأقليات الدينية، بل هم في قلب الصف العلماني ويرددون ما يردده العلمانيون المسلمون .. وبما أن العلمانيين المسلمين مثلهم، مثل زملائهم الملحدين، لا يتنازلون عن رفضهم لدور الإسلام في الشأن العام حتى لو لم يكن هناك تنوع ديني، لأن رفضهم لهذا الدور يتأسس على رأيهم الأصيل في عدم صلاحيته مطلقاً أو عدم صلاحيته لعصرنا على الأقل، فكان الأولى أن يركزوا على قناعاتهم الأصلية ويتحدثوا عنها بصراحة ويتحملوا المسؤولية بدلاً عن الإختباء وراء عدة آلاف من المسيحيين، ويهود لم يأتوا بعد، ووثنين لا نعلم إن كان بحث نصر الدين مفرح عنهم قد أسعده بأعداد كبيرة منهم أم لا.

▪️ هذا التدليل للآخر الديني هو في الحقيقة تدليل وظيفي غير مقصود لذاته، فللعلمانية أصلاً موقف سلبي من كل الأديان. وفي الواقع ليس هناك احترام حقيقي للآخر الديني، بل هناك مجرد استعانة من الأقلية العلمانية بالأقليات الدينية للاستقواء على آخرهم الديني الحقيقي وهو أغلبية المسلمين، وعلى هذه الأغلبية يمارسون كل صنوف القهر والتهميش، ويصلون إلى أقصى درجات عدم الإعتراف، بحيث يحتاجون دائماً إلى التطمين، وبحيث يظنون أن زعمهم بأن الدوس الذي يتجاوز الأشخاص إلى التشريعات الإسلامية إنما المقصود به الآخر السياسي لا الإسلام في ذاته هو أقوى درجات الإقناع! لأن دوس الساسة يتمتع عندهم بأقوى مشروعية بحيث يصبح صحيحاً في ذاته صحة مطلقة ترتقي به إلى درجة أن يكون تبريراً مقبولاً لأي دوس آخر!

▪️ اختبر الناس مصداقية مقولة احترام العلمانيين للتنوع في اختيارهم للقراي المنتمي لأقلية صغيرة جداً ليشرف على تأليف المناهج الدراسية ويصبغها بطابع جماعته “الإسلامية”، لتحظى المناهج برضا جميع العلمانيين كمناهج مثالية تعبِّر عن كل أطراف التنوع! وكأن فكر محمود محمد طه فوق التنوع ويمثل الحد الأدنى من المشتركات التي تحقق الإجماع!.

هذا رغم أن القراي قد صاغ المناهج -كما قال- وهو غير مبالٍ برأي “جماعات الهوس الديني” وقد سمى منها (الطرق الصوفية عامةً، والختمية، والأنصار، وأنصار السنة، والإخوان المسلمين) وهي الأطراف التي لام حمدوك على الاستماع لآرائها.

▪️ إذن، كما رأينا، يتنازل العلمانيون المسلمون طوعاً عن الأغلبية الوحيدة التي يفترض أنهم يوجدون داخلها، وهي الإسلام، ويعزلون أنفسهم كأقلية صغيرة داخله تتهمه بالتغول على حقوق الآخرين وتعمل على تحجيمه، ويبحثون عن أغلبية مرقعة يبنونها من حلف يريدون له أن يكون عريضاً ودائماً تحافظ على استمراريته مزاعم الظلم.

حلف بين مسلمين رافضين للشريعة، وملحدين، ومرتدين، بحيث يمثل ثلاثتهم قلبه النابض وأصحاب دعوى الظلم الأصيلين، إضافة إلى مسيحيين يتحدث العلمانيون نيابة عنهم عن مظالمهم، ويهود يأتون من وراء البحار، وعبدة أحجار تنشق الأرض عن أعداد كبيرة منهم ليأتوا ويقووا الصف العلماني ويحدثوا الناس عن ظلم الشريعة لهم!. 

زر الذهاب إلى الأعلى