آراء

خواطر رمضانية «5»: إجعل بينك وبين الله سريرة

بقلم: عادل عسوم

من أعظم القربات (سريرة) يجعلها المرء بينه وبين الله لا يعلمها أحد من الخلق.

عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ العَوَّامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَكُونَ لَهُ خَبِيءٌ مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ فَلْيَفْعَلْ). صححه الالباني.

لقد نشأنا وفي اعتقادنا أن السعادة في الأخذ،
وإذا بنا نكتشف انها في العطاء!.

فالعطاء يزيل ران النفوس كما تجلي النار خبث الحديد، ويزيد من الإيمان ويقويه، ويشَكّل الوجدان ويجمّله، ويبدد إظلام النفس، ويدفع بالروح إلى التسامي.

والسريرة أو الخبئ من العمل الصالح عطاء جميل، وهو من العبادات المتعدية، والمقصود بالعبادة المتعدية التي يتعدَّى نفعها إلى غير صاحبها، كالصدقة، والسعي في قضاء حوائج الناس، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتعليم الناس ونفعهم وغير ذلك.

أما العبادة القاصرة فهي ما اقتصر نفعها على صاحبها كالصلاة والصيام والذكر وقراءة القرآن.

روى البخاري ومسلم رحمهما الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ذهب المُفطِرون اليوم بالأجر)، قال صاحب عمدة القاري شرح صحيح البخاري: “قوله: (ذهب المفطرون) بالأجر، أي: بالأجر الأكمل الوافر، لأن نفع صوم الصائمين قاصر على أنفسهم، وليس المراد نقص أجرهم، بل المراد أن المفطرين حصل لهم أجر عملهم ومثل أجر الصوام لتعاطيهم أشغالهم وأشغال الصوام”.

فحتى لا يتوّهم مُتوِّهم من قولهم بأنّ الصوم عبادة قاصرة أنّه لا يتعدى نفعها لغير الصائم، فعلا نجد أنّ نفعها يعود بالدرجة الأولى على الصائم من ارتقاء للروح، وصفاء للنفس، واستعداد للخير والبذل، وإقبال على الطاعة، وضبط النفس.

وهذا كله لا يُعدِمها نفع الغير، فإن غير الصائم ينتفع بتقوى هذا الصائم وصلاحه، فيتأثر به من رآه ويسلك مسلكه في العبادة وحسن الخلق، وينتفع بدعائه وإخلاصه كما جاء في الحديث الذي أخرجه النسائي وصححه الألباني حيث يقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: (إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها، بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم).

وما أجمله من عرف عادة الافطارات الجماعية عندنا في السودان، وكذلك مسعى أهلنا في الطرقات لترصد العابرين ودعوتهم إلى الإفطار، بل الحلف عليهم للتوقف، فكأن الأميين منا يعلمون يقينا بأن المسافر يُعد من مصارف الزكاة!.

لعمري لولا دعاء ضعفاءنا وفقراءنا في هذا السودان لطاله الكثير من الكيد الذي ظل يترصده منذ استقلاله.

والصدقة وقضاء حوائج الناس بالكتمان تكون دوما في هؤلاء الضعفاء والفقراء والمساكين أحباب الله.

والصدقة يكفيها شرفا قول الحبيب المصطفى صلوات الله وسلامه عليه عنها (إن الصدقة لتطفئ غضب الرب وتدفع ميتة السوء).

قريبٌ لي، رحمه الله كان يعمل في هيئة توفير المياه الريفية، وبعد أن توفاه الله إذا ببعض أهل القرية يُقطعُ الماء عن بيوتهم، وعندما ذهبوا إلى مكاتب الهيئة تفاجأوا بأن المرحوم الذي كان يعمل موظفا في الهيئة هو من كان يسدد قيمتها، وعندما تمت مراجعة الفواتير لسنين خلين تفاجأ زملاءه في الهيئة بأن قريبي اعتاد التسديد بالاقتطاع من راتبه، وعندما يتجاوز المبلغ في بعض الأحيان قيمة الفواتير يكمل المبلغ من عنده، وهو الوارث لعدد لابأس به من أشجار النخيل.

آخر اعتاد المرور على دكاكين الحي ويبحث عن دفاتر (الجرورة) للفقراء والمساكين فيسدد الديون المسجلة عليهم، بعد أن ينال موثقا ووعدا من أصحاب تلك الدكاكين بأن يظل الأمر طي الكتمان.

وقد قيل بأن صنائع المعروف تقي مصارع السّوء.
اللهم قنا مصارع السوء واجعلنا من الذاخرة صحائفهم بالخبئ من العمل وصنائع المعروف.

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى