خواطر رمضانية «13»: ما هو علم اليقين؟

بقلم: عادل عسوم
المدخل إلى ذلك آيات كريمات:
(وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِين) الحجر 99.
(وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ) الحاقه51
وكذلك في آيات سورة الكوثر:
(كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ، لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ، ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ، ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِِ) .
فما هو اليقين ياأحباب؟!.
يقول الشيخ الشعراوي رحمه الله:
اليقين تصديق الأمر تصديقاً مؤكداً، بحيث لا يطفو إلى الذهن لِيُناقش من جديد، بعد أن تكون قد علمته من مصادر تثق بصدق ما تبلغك به.
انتهى قول الشعراوي.
وهناك درجتان تعلوان علم اليقين، هما:
(عين اليقين) و (حق اليقين).
وعن عين اليقين قال الشعراوي أيضا رحمه الله:
أما عَيْن اليقين؛ فهي التي ترى الحدث فتتيقّنه، أو هو أمر حقيقيّ يدخل إلى قلبك فَتُصدقه، وهكذا يكون لليقين مراحل: أمر تُصدِّقه تَصديقاً جازماً فلا يطفو إلى الذهن لِيُناقَش من جديد، وله مصادر عِلْم مِمَّنْ تثق بصدقه، أو: إجماع من أناس لا يجتمعون على الكذب أبداً؛ وهذا هو علم اليقين، فإنْ رأيتَ الأمر بعينيك فهذا هو حق اليقين.
انتهى قول الشيخ الشعراوي.
ويقول إبن القيم رحمه الله في مدارج السالكين:
الفرق بين علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين:
قد مثلت المراتب الثلاث؛ بمن أخبرك أن عنده عسلاً وأنت لا تشك في صدقه،
ثم أراك إياه فازددت يقيناً،
ثم ذقت منه،
فالأول: علم اليقين،
والثاني: عين اليقين،
والثالث: حق اليقين.
نحن الآن علمنا عن الجنة والنار (علم يقين)، فإذا أزلفت الجنة في الموقف للمتقين وشاهدتها الخلائق وبرزت الجحيم للغاوين وعاينها الخلائق فذلك: (عين اليقين)، وعندما يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار: فذلك حينئذ (حق اليقين).
ودرجة عين اليقين يمكن تبينها في حق إبراهيم عليه السلام.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
(وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيم )البقرة 260.
ولعلي تحدثت عن الشاهد في هذه الآية الكريمة في ثنايا خاطرتي السابقة (12).
علم اليقين يكون بالسمع،
وعين اليقين يكون بالبصر،
وحق اليقين يكون بالحواس أو بالقلب.
قال ابن القيم رحمه الله في كتابه (التبيان في أقسام القرآن):
“المرتبة الثانية: عين اليقين هي التي سألها إبراهيم الخليل ربه أن يريه كيف يحيي الموتى ليحصل له مع علم اليقين عين اليقين. فكان سؤاله زيادة لنفسه وطمأنينة لقلبه، فيسكن القلب عند المعاينة، ويطمئن لقطع المسافة التي بين الخبر والمعاينة.
“وقد ضرب بعض العلماء للمراتب الثلاث مثلا فقال:
إذا قال لك من تجزم بصدقه عندي عسل أريد أن أطعمك منه فصدقته كان ذلك علم يقين،
فإذا أحضره بين يديك صار ذلك عين اليقين،
فإذا ذقته صار ذلك حق اليقين”.
من أسباب تحصيل اليقين:
1- تعلق القلب بالله تعالى، فلا يركن إلى مخلوقٍ مهما بلغت قوتُه، أو علت منزلتُه، ولا يتعلق بسببٍ مهما كان متينًا: (إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو القُوَّةِ المَتِينُ) الذاريات 58، بل يركن إلى الله وحده، ولا يكون في قلبه سواه، قال بعض العارفين: (حَرَامٌ عَلَى قَلْبٍ أَنْ يَشْتَمَّ رَائِحَةَ الْيَقِينِ وَفِيهِ سُكُونٌ إِلَى غَيْرِ اللَّهِ تعالى).
2- معرفة مقامه من الدين:
جاء في الحديث: (إِنَّ النَّاسَ لَمْ يُؤْتَوْا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا خَيْرًا مِنَ الْيَقِينِ وَالْعَافِيَةِ فَسَلُوهُمَا اللَّهَ عز وجل).
قال الحسن البصري رحمه الله: (ما طُلبت الجنة إلا باليقين، ولا هرب من النار إلا باليقين، ولا أُديت الفرائض إلا باليقين، ولا صبر على الحق إلا باليقين).
3- الدعاء به:
ورد أنَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يسألُ اللهَ تعالى أن يُقْسِمَ له من اليقين ما يهون به عليه مصائب الدنيا، ومِنْ دُعَاءِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه: (اللَّهُمَّ هَبْ لِي إِيمَانًا وَيَقِينًا وَمُعَافَاةً وَنِيَّةً)، وكَانَ عَطَاءُ الْخُرَاسَانِيُّ رحمه الله تعالى لَا يَقُومُ مِنْ مَجْلِسِهِ حَتَّى يَقُولَ: (اللَّهُمَّ هَبْ لَنَا يَقِينًا بِكَ حَتَّى تَهُونَ عَلَيْنَا مُصِيبَاتُ الدُّنْيَا، وَحَتَّى نَعْلَمَ أَنَّهُ لَا يُصِيبُنَا إِلَّا مَا كُتِبَ لَنَا عَلَيْنَا، وَلَا يَأْتِينَا مِنْ هَذَا الرِّزْقِ إِلَّا مَا قَسَمْتَ بِهِ).
4- التفكر في أحوال السابقين:
وقراءة أخبارهم في القرآن الكريم، وتعلم اليقين من آياته العظيمة؛ كما قال الله تعالى: (هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) الجاثية 20.
قال خَالِدُ بْنُ مَعْدَانَ رحمه الله:
(تَعَلَّمُوا الْيَقِينَ كَمَا تَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ حَتَّى تَعْرِفُوهُ فَإِنِّي أَتَعَلَّمُهُ)، ومرض الرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ رحمه الله تعالى فقيل له: (أَلَا نَدْعُو لَكَ طَبِيبًا؟ قَالَ: أَنْظِرُونِي، فَتَفَكَّرَ، ثُمَّ قَالَ: (وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا) الفرقان 38، فَذَكَرَ مِنْ حِرْصِهِمْ عَلَى الدُّنْيَا وَرَغْبَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا فِيهَا، قَالَ: فَقَدْ كَانَتْ فِيهِمْ أَطِبَّاءُ وَكَانَتْ فِيهِمْ مَرْضَى، فَلَا أَرَى الْمُدَاوِي بَقِيَ وَلَا الْمُدَاوَى هَلَكَ …).
اللهم هَبْ لِي إِيمَانًا وَيَقِينًا وَمُعَافَاةً وَنِيَّةً.
إنك ياربي ولي ذلك والقادر عليه.
اللهم آمين.