خواطر رمضانية «17»: هنيئاً للأصدقاء

بقلم: عادل عسوم
الصداقة من أبرز القيم الإنسانية، وهي الوجه الآخر -غير البراق- للحب، ولكنه الوجه الذي لا يصدأ.

والصديق كنز في الدنيا وكذلك في الآخرة، وصحبة الأخيار تورث الخير، وصحبة الأشرار تورث النّدامة.
وقد صدق الشافعي رحمه الله وقد قال:
سَلامٌ عَلَى الدُّنْيَا إذا لَمْ يَكُنْ بِهَا
صَدِيقٌ صدوقٌ صَادقُ الوَعْدِ مُنْصِفَا.

وللصديق يوم القيامة قصة:
يقول الله جل في علاه في سورة الشعراء، في الآيتين الكريمتين 101،100:
{فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ}.
{وَلَا صَدِيق حَمِيم}.
يقول الحسن البصري رحمه الله في تفسير هذه الآيات:

يدخل المسلم الجنة فيبحث عن صديق له كان في الدنيا ويسأل:
لماذا لا أرى فلاناً هنا في الجنة؟!
فيُجاب:
إنه في النار.
فيقول:
ياربي إني لا أجد للجنة لذّة الاّ برفقة صديقي فلان.
فإذا بالمنادي ينادي في النار:
يافلان أقْبِل؛ لقد شفع لك صديقك الحميم فلان وقضى الله بأن تذهب إلى الجنة!
فتضج النار من بعده حيث يقول أهلها:
{فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ}. الشعراء100
{وَلَا صَدِيق حَمِيم}. الشعراء101
وقال الحسن البصري رحمه الله:
[استكثروا في الأصدقاء المؤمنين فإن لهم شفاعة يوم القيامة].

وقال ابن كثير في تفسيره، إن قتادة قال:
(صديق حميم أَيْ قَرِيب، فأهل النار يَعْلَمُونَ أَنَّ الصَّدِيق إِذَا كَانَ صَالِحًا نَفَعَ وَأَنَّ الْحَمِيم إِذَا كَانَ صَالِحًا شَفَعَ).
انتهى قول قتادة.

ويقول الشعراوي رحمه الله:
الشافع من الشَّفْع، أي الإثنين، والشافع هو الذي يضمُّ صوته إلى صوتك في أمر لا تستطيع أن تناله بذاتك، فيتوسط لك عند مَنْ لديه هذا الأمر، والشفاعة في الآخرة لا تكون إلاّ لمن أَذِن الله له.
يقول تعالى: {وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارتضى} الأنبياء 28.
ويقول سبحانه: {مَن ذَا الذي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} البقرة 255.
إذن، لايصلح كل الناس للشفاعة.

ومعنى {وَلاَ صَدِيقٍ حَمِيمٍ} فرْق بين الشافع والصديق، فالشافع لابد أن تطلب منه أن يشفع لك، أما الصديق وخاصة الحميم لا ينتظر أن تطلب منه، إنما يبادرك بالمساعدة.
ووصف الصديق بأنه حميم لأن الصداقة وحدها -حينها- لا تنفع، إذ كل إمرء مشغول بنفسه!.

فإذا لم تكُنْ الصداقة داخلة في الحميمية فلن يسأل صديق عن صديقه كما قال تعالى: {يَوْمَ يَفِرُّ المرء مِنْ أَخِيهِ، وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وصاحبته وَبَنِيهِ، لِكُلِّ امرىء مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} عبس 34- 37.

وقد روى مسلم عن أبي سعيد الخدري في حديث طويل الآتي:
(حتى إذا خلص المؤمنون من النار فوالذي نفسي بيده ما منكم من أحد بأشد مناشدة في استقصاء الحق من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار).

وأخرج الإمام أحمد من مسند أبي بكر الصديق في إثبات شفاعة الصالحين والمؤمنين قوله صلى الله عليه وسلم: (ثم يقال: ادعوا الأنبياء، فيشفعون، ثم يقال: ادعوا الصديقين، فيشفعون، ثم يقال: ادعوا الشهداء فيشفعون)، ومعنى الصديقين هنا الأصدقاء.

وكذا حديث أبي بكرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يحمل الناس على الصراط، فينجي الله من شاء برحمته ثم يؤذن للملائكة والنبيين والشهداء والصديقين فيشفعون).

كما ثبت أيضاً حصول شفاعة المؤمنين لإخوانهم قبل يوم القيامة، وذلك في الدنيا، وهي استشفاعهم إلى الله تعالى في الصلاة على من مات منهم بالرحمة والغفران والتجاوز، فقد أخرج الإمام مسلم رحمه الله عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من ميت تصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة كلهم يشفعون له إلا شفعوا فيه).

لذلك فإن الحرص على أهل الصلاح من الأصدقاء مهم، وما لأصدقاء السوء من فائدة، وإنها دعوة لأن بنأى المسلم عن كل من يجد فيه تعلق بأفكار ومناهج تضاد الدين، مثل العلمانية والشيوعية وبقية مناهج اليسار الرافضة الدين، فإن صداقتهم لا تفيد في الدنيا ولا في الآخرة، ولنكن لهم ناصحين صدعا بواجب الأخوة والزمالة والقرابة.

اللهم اجعلنا هداة مهتدين، وهبنا أصدقاء أخيار يشفعوا لنا يوم الدين، وألِّف أرواحنا وقلوبنا لحبك وحب من يحبك يا حليم، انك ياربي ولي ذلك والقادر عليه.

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى