خواطر رمضانية «18»: ونزعنا ما في صدورهم من غل

بقلم: عادل عسوم
لعمري إنها آية عظيمة، فيها طمأنة لكل المشتغلين بالإسلام، دعوة إليه، واشتغالا بمناهج تنزيله إلى واقع الناس، تعليما أو استنباطا لأحكام الله ومراداته، لإخراج البشرية من الظلمات إلى النور.
يقول الحق جل في علاه:
{وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ} 47الحِجْر.
الشاهد في هذه الآية قول ربنا {مافي صدورهم من غل}.
1- من هم هؤلاء الموصوفون بوجود (الغل) في صدورهم؟!
2- وماهو المكان الذي يتم فيه نزع ذلك الغل ومن الفاعل للنزع؟!
للإجابة علينا قراءة الآيتين السابقتين لهذه الآية:
{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} 45 الحِجْر.
{ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ}46 الحِجْر.
لقد وضحت الإجابة:
فالموصوفون هم أهل التقوى من المؤمنين!
والمكان هو الجَنَّة!
والذي ينزع الغل هو الله جل جلاله!.
ماذا يعني ذلك؟
يعني أن لا ييأس المهمومون بالدعوة إلى الله عندما تحدث الخلافات بين العلماء والدعاة والمشتغلين بِهَمِّ إنزال منهج الله إلى واقع الناس، حتى إن أوصلهم الخلاف إلى القتال كما حدث بين صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك لايتسلل إليهم الوهن إن حدثت (المفاصلات) بينهم والانشقاقات.
نحن بشر مهما ارتقى منا أهل الصلاح، ونبينا صلى الله عليه وسلم وهو المعصوم الذي وصفه ربنا بأنه على خلق عظيم قد قال: (أنا أغضب كما تغضبون)، وأبو بكر رضي الله عنه نقل عنه أنه يغضب، ومن ذلك رده على موفد مشركي قريش عروة بن مسعود في صلح الحديبية عندما تطاول على نبينا صلى الله عليه وسلم، وعمر بن الخطاب رضي الله عنه كذلك، فالمسلم مهما بلغ يبقى بشراً، وان كان الله عصم نبينا صلى الله عليه وسلم؛ إلا إننا باقون على بشريتنا، نخطيء، وتعتري صدورنا الإحن والغل وشيء من حسد على بعضنا، والغل الوارد في الآية الكريمة هو الحقد والضغن والعداوة، وقيل هو الحسد والبغض.
لكن لنا رب رحيم.
الله الذي خلقنا قال لنا بأن الكمال له وحده، وهو جل في علاه يريدنا أن نتعبده بما فينا من جِبلّة وطباع، لذلك لم يجعل العهود (المثال) وموائل الاقتداء لنا يجللها الكمال، ولعمري ان جللها الكمال لوهن عزم الدعاة منا عندما يعترينا شيء من سلب النفوس.
بل ضرب الله الأمثلة بأنبياء كرام منهم من قتل نفسا -خطأ- وتاب ثم اصطفاه، ومن الأنبياء من ابق إلى الفلك المشحون مغاضبا، ظانا أنه لا يقدر عليه، ثم نادى في ظلمات بطن الحوت ولجة البحر أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فتاب عليه ورضي عنه.
من إكرام الله لأهل الجنة أنهم يحبسون على قنطرة بين الجنة والنار، لينزع هذا الغل الباقي في القلوب قبل أن يدخلوا الجنة، قال صلى الله عليه وسلم: (يحبسون على قنطرة بين الجنة والنار فتقتص بينهم المظالم التي كانت بينهم في الدنيا).
لقد رُوِيَ في تفسيرها أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه تواجه هو وطلحة والزبير رضي الله عنهم جميعا بسيوفهم في موقعة الجمل، وكل منهم يرى بأنه على حق، وكلهم صحابة أجلاء، فقال علي رضي الله عنه: إني لأرجو أن أكون أنا وطلحة والزبير ممن قال الله فيهم: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ…}، فالكمال عزيز، والصحابة رضي الله عنهم أصحاب نبينا صلى الله عليه وسلم، والله قد رضي عنهم وشهد برضاه عنهم في كتابه، ولا ينبغي لنا أن نخوض فيما كان بينهم، فكلهم مجتهد رضي الله عنهم وأرضاهم، ولعل أفضل ما قيل في ذلك قول عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه عندما سئل عن إحدى الفتن فقال:
(تلك فتنة عصم الله منها سيوفنا فلنعصم منها ألسنتنا).
ما احكمه من قول!.
الله جل في علاه هو خالق البشر، وهو العالم بطواياهم، ولعلها طمأنة لكل المسلمين بأن الصدور ومافيها من قلوب وإن شابها ماشابها فذاك ليس مدعاة لانتفاء الإيمان وتقوى الله.
وإن المآل والمنتهى أن ينزع الله ما في الصدور من غل ليجعلهم إخوانا على سرر متقابلين، والسرير هو الكرسي الواسع الذي يحتمل أن يُرقَدَ عليه أيضا.
ولكن يجب على المسلم أن يدعو الله بأن لا يجعل في قلبه غلا لإخوته من المسلمين:
{وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} الحشر 10.
يجتهد في ذلك بقدر المستطاع، وإن بقي شيء فالله ينزعه إن استوفينا الإيمان ونلنا رضاه.
اللهم يا حَنّان يا مَنَّان أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن تنزع ما في صدورنا من غل، في الدنيا والآخرة، وتجعلنا إليك مخبتين، وبيننا متحابين.
اللهم آمين.