آراء

خواطر رمضانية «20»: يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف

بقلم: عادل عسوم

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

{لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا ۗ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} البقرة 273.

منذ يفعي شدتني هذه الآية الكريمة وتعلقت بها كثيرا، وكنت حينها في المرحلة المتوسطة عندما بدأت الإنتباه للمعاني والمباني، فإذا بي أجد لألفاظ (التعفف) و(سيماهم) و(إلحافا) وقعها الآثر في نفسي…
ويومها لم يكن (قوقل) ظهر بعد، فسألت أستاذ التربية الإسلامية في المدرسة، فذكر لي معاني الكلمات واجتهد في تفسير الآية، لكن تفسيره لم يقع في نفسي الموقع الذي يحيط بمقاصدها ومراداتها، ولم أجد فيه بغيتي، إذ بدت لي الآية محاطة بهالة من نور اليقين بالله، واحسست في سياقها بمظهر من مظاهر العمق الإيماني بالله عظيم!.

ما كان مني إلا أن سألت جدي محمد الحسن حاجنور رحمه الله عندما أتيت في ركاب الأسرة إلى البركل خلال إجازة العام الدراسي، قال رحمه الله:
لن أحكي لك عن سبب نزول الآية يا ابني، ولن اتحدث عن معاني كلماتها، ولن أخوض لك في تفسيرها، كل ذلك يمكنك تعلُّمه في قابل سنيك إن شاء الله، لكنني سأحكي لك عن واقعة وأعلق عليها.
فأومأت رأسي إيجابا…
فقال رحمه الله:

دق أحدهم الباب على أحد الصالحين وهو من جيرانه، فعاد إلى زوجه وسألها إن كان لديهم شئ يتصدقون به، فأشارت إلى تمر لهم، فأخذه وأعطاه الطارق، ثم عاد (باكيا)!، فقالت له: ما يبكيك وقد تصدقت عليه؟!
قال: لأنني تركته إلى أن جاء وسألني!!!.
قال لي جدي رحمه الله:
في هذه القصة ستجد نصف معنى الآية الكريمة يا ابني.

أما النصف الآخر فهو في هذه الوصية:
سؤال الحاجات من الناس هي الحجاب بينك وبين الله، فلتحرص بأن تنزل حاجتك بمن يملك الضر والنفع، وليكن مفزعك إلى الله جل في علاه فإنه سيكفيك عن من سواه، بذلك ستعيش سعيدا بحول الله وتوفيقه.
انتهى قول جدي رحمه الله.

ومافتئ وجه جدي يلوح لي بابتسامته الوضيئة ولغته الفصيحة، يلوح لي كلما قرأت هذه الآية، وبقيَت وصيته كشعاع ينير لي كل ماعتم أمامي في دنياي.

اللهم ياحنان يامنان، أسألك برحمتك وكرمك وجودك أن تفتح لجدي في مرقده بابا من الجنة لايسد، ويوم يقوم إليك الناس؛ أسألك ياربي أن تسقه من حوض نبيك شربة لايظمأ بعدها، ويوم يلقاك؛ أسألك يا الله أن تهبه لذة النظر إلى وجهك الكريم، إنك ياربي ولي ذلك والقادر عليه.

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى