آراء

خواطر رمضانية «28»: إسم الله الأعظم

بقلم: عادل عسوم

منذ يفعي أغرمت بقصة الإتيان بعرش بلقيس إلى نبي الله سليمان، وظلت آيات سورة النمل الواردة في ذلك تدفعني إلى البحث عن إسم الله الأعظم:
{قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِى بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِى مُسْلِمِينَ (38) قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّى عَلَيْهِ لَقَوِى أَمِينٌ (39) قَالَ الَّذِى عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآَهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّى لِيَبْلُوَنِى أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّى غَنِى كَرِيمٌ (40)}.
قال لي جدي محمد الحسن حاجنور رحمه الله عن هذه الآيات:

العابد الصالح الذي استدرك على الجني وقال لسليمان عليه السلام {انا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك}، كان يعلم إسم الإله الأعظم، وهو الإسم الذي ان دُعِيَ به ربنا أجاب، لكنه طلب من سليمان أن يكون هو الذي يفعل ذلك لكونه نبي، إذ أن إجابة الله للنبي أدعى، لكن سليمان عليه السلام سمح له بالدعاء.
فسألت جدي عن إسم الله الأعظم، فقال لي بأنه (الله).

ثم اضاف:
ألا ترى الكثير من أهل التصوف يرجزون بإسم (الله)، ولكن للأسف جلهم لا يعلمون خبايا الإسم وما ينبغي أن يحشده المرء في نفسه من أسماء الله وصفاته ومعانيها عندما ينادي به ربه؟!.
لكنني والحق أقول لم اتبين عمق المعنى حينها…

ثم توالت السنوات، وخلال درس من دروس الفيزياء وجدت المعنى يظهر ويتكشف لي عندما علمت بأن الضوء الأبيض هو أصل الألوان جميعا، وإنه الجامع لها في داخله، بدءا بالأحمر، ثم البرتقاليّ فالأصفر، والأخضر، والأزرق، والأزرق النيليّ، فاللّون البنفسجيّ، ولعلنا جميعا نتذكر تجربة المنشور الزجاجي لتحليل الضوء، وكذلك قوس المطر أو قوس قزح كما يسميه البعض، ولله المثل الأعلى.

ومن يقرأ الآيات التالية من سورة الحشر يتبين شمول إسم (الله) وإحاطته ببقية أسماء الله الحسنى:
{هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24)}
ثم اضطردت قراءاتي أكثر وبحثت فإذا بي أجد الآتي:

1- قال ابن القيم رحمه الله:
اسم “الله” دالٌّ على جميع الأسماء الحسنى والصفات العليا بالدلالات الثلاث.
مدارج السالكين..
والدلالات الثلاث هي: (المطابقة، والتضمن، واللزوم).

2. وورد عن أبي حنيفة رحمه الله يقول: اسم الله الأعظم هو “الله”، وبه قال الطحاوي وكثير من العلماء.
3. وقال أبو البقاء الفتوحي الحنبلي رحمه الله:
هناك فائدتان، الأولى: أن اسم “الله” علم للذات، ومختص به، فيعم جميع أسمائه الحسنى.
الثانية: أنه اسم الله الأعظم عند أكثر أهل العلم الذي هو متصف بجميع المحامد.
شرح الكوكب المنير.

4. وقال الشربيني الشافعي رحمه الله:
وعند المحققين أنه اسم الله الأعظم، وقد ذكر في القرآن العزيز في ألفين وثلثمائة وستين موضعاً.
(مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج).

5. وقال الشيخ عمر الأشقر رحمه الله:
والذي يظهر من المقارنة بين النصوص التي ورد فيها اسم الله الأعظم أنّه: (الله)، فهذا الاسم هو الاسم الوحيد الذي يوجد في جميع النصوص التي قال الرسول صلى الله عليه وسلم إنّ اسم الله الأعظم ورد فيها.

ومما يُرجِّح أن (الله) هو الاسم الأعظم؛ أنه تكرر في القرآن الكريم (2697) سبعاً وتسعين وستمائة وألفين – حسب إحصاء المعجم المفهرس – وورد بلفظ (اللهم) خمس مرات، لذلك فإن كتاب الله القرآن هو أم الكتب السماوية جمعاءّ.

ولقد صح من الأحاديث الكثير الوارد في ذلك، ومنها:
1. عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اسْمُ اللَّهِ الأَعظَمُ فِي سُوَرٍ مِنَ القُرآنِ ثَلَاثٍ: فِي البَقَرَةِ وَ آلِ عِمرَانَ وَ طَهَ).
رواه ابن ماجه وحسَّنه الألباني في صحيح ابن ماجه.

2. عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا وَرَجُلٌ يُصَلِّي ثُمَّ دَعَا، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنَّ لَكَ الْحَمْدُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الْمَنَّانُ بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَقَدْ دَعَا اللَّهَ بِاسْمِهِ الْعَظِيمِ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى).
رواه الترمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجه، وصححه الألباني في صحيح أبي داود.

3. عن بُرَيْدَةَ بنِ الحُصَيْب أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ (اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ أَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الْأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ)، فَقَالَ: لَقَدْ سَأَلْتَ اللَّهَ بِالِاسْمِ الَّذِي إِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى وَإِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ.
رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجه، وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وهو أرجح من حيث السند من جميع ما ورد في ذلك.
فتح الباري.

وهناك أقوال أخرى لعلماء تفيد بأسماء أخرى لإسم الله الأعظم، وقال قلة بأن أسماء الله كلها عظمى ولاتفريق بينها، لكن الأقرب للصحة والله أعلم أن الاسم الأعظم هو “الله”، فهو الاسم الجامع لله تعالى الذي يدل على جميع أسمائه وصفاته تعالى، وهو اسم لم يُطلق على أحد غير الله تعالى، وعلى هذا أكثر أهل العلم.

والمسلم مخَيَّر في أن يدعوَ ربّه بأي اسم من أسمائه التي ذُكِرَت في القرآن الكريم، ويَزيد عددها على التسعة والتسعين التي ذُكِرَت في الحديث الذي رواه الترمذي، وجاء في فضلها حديث البخاري ومسلم “مَنْ أحْصاها دخل الجنّة” أي مَن حفظها، وعمل بما فيها.
{وللهِ الأسْماءُ الحُسْنَى فادْعُوهُ بِهَا} الأعراف180 {قل ادْعُوا اللهَ أو ادْعُوا الرّحمنَ أيًّا ما تَدْعُوا فلَه الأسماءُ الحُسْنَى} الإسراء 110.

والذي أراه -والله أعلم- على المسلم ان يتخير إسم الله من أسمائه المأثورة، والذي تكمن في معناه حاجته فيدعوه به، ف(الرزاق) هو الذي كتب وخلق الارزاق وضَمِنَ لكل مخلوق رزقه، فيمكن لمن يطلب الرزق الدعاء به.
و(الْقَهَّار) هو الغالب الذي قهر خلقه بسلطانه وقدرته، وخضعت له الرقاب وذلت له الجبابرة، وصرف خلقه على ما أراد طوعا وكرها، وعنت الوجوه له، فيمكن للمظلوم أن يدعو به على من ظلمه، وهكذا.

لكن يبقى إسم (الله) هو إسمه الأعظم جل في علاه، ولكن يحتاج من (المؤمن) تمام علم بكل مايحيط بمعناه، وكذلك يحتاج إلى تمام حسن ظن بالله، وتمام يقين به، عندها بحول الله يتسنى للمؤمن الخلوص إلى المراد، والله أعلم.
آمنت بالله.

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى