برنامج ثمرات.. الغرض وضيق الأفق «1»

بقلم: عادل عسوم

حديثي عن برنامج دعم الأسر السودانية (ثمرات) سأورده في ثنايا مقالين، أولهما ذي طابع اقتصادي، والثاني أتحدث فيه عن مسعى حثيث من هذه الحكومة للخلط ودس السم باقحام مايعرف بالFeminism في تفاصيل البرنامج!
وهذا هو المقال الأول، ويعنى بالأمر من جانبه الاقتصادي.

في البدء هذا تعريف ببرنامج ثمرات، وسيتم تعريف الفيمينزم في ابتدار المقال الثاني ان شاء الله.

(ثمرات) عبارة عن دعم مادي مباشر يقدمه البنك الدولي وبعض الدول المانحة للسودان.
يقدم “برنامج دعم الأسر” (ثمرات) مساعدات مالية لـ80% من سكان السودان، أي 32 مليون شخص، تبلغ مايعادل 5 دولارات -بحسب سعر الصرف الرسمي- للفرد شهرياً على مدى عام وفق البنك الدولي، وتبلغ القيمة الإجمالية للبرنامج 1.9 مليار دولار.

بدأ تطبيق البرنامج حاليا بأربع ولايات وهي ولاية الخرطوم وكسلا ودارفور والبحر الأحمر.. وستنطلق لتعم وتشمل بقية ولايات السودان الأخرى.

ويقدم “برنامج دعم الأسر” (ثمرات) مساعدات مالية لـ80% من سكان السودان، أي 32 مليون شخص، تبلغ 500 جنيه سوداني (تسعة دولارات بحسب سعر الصرف الرسمي/ 2.10 دولار بحسب سعر الصرف في السوق السوداء) للفرد شهرياً على مدى عام، وفق البنك الدولي، وتبلغ القيمة الإجمالية للبرنامج 1.9 مليار دولار.

“وقّع الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي اتفاقية لتوفير 110 مليون دولار لبرنامج دعم الأسر (ثمرات)، بالإضافة إلى 78.2 مليون دولار من فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، هولندا، إسبانيا والسويد لتمويل البرنامج، ليصل إجمالي مساهمة الشركاء الأوروبيين في برنامج دعم الأسرة إلى ما يقارب 190 مليون دولار أمريكي”.
إنتهى.

ويبدو بأن القائمين على البرنامج في السودان خلصوا إلى مبلغ ال5 دولارات للفرد، بدلا عن 9 كما ورد عن وكالة سونا.
لنتخطى ذلك، ولننظر إلى المبلغ الكلي للدعم، إنه 1.9 مليار دولار أمريكي.
انه مبلغ كبير، ويمكن الإفادة منه بصورة أمثل ان تم توظيفه بصورة سليمة.

لنسأل انفسنا، هل ال5 دولارات (شهريا) لها مردود اقتصادي ذو فائدة ملموسة للفرد؟
التبرير الذي وضع لهذا الدعم أنه يساعد الفرد والأسرة السودانية على مجابهة آثار رفع الدعم الذي شرعت فيه الحكومة، وقد طال رفع الدعم العديد من اساسيات الصرف في معاش الأسر، وفي الطريق -وقريبا جدا- رفع الدعم عن الكهرباء والماء بذات النسبة المضاعفة التي طالت البنزين، ياترى كم تبلغ نسبة التعويض الذي ستسهم به هذه ال5 دولارات ال(شهرية)؟!

أما كان الأجدى التفكير في مشروع جماعي ينتفع منه كل سكان السودان؟!
وكلنا يعلم المثل الذي يقول: لا تعطني سمكة، بل علمني كيف اصطادها.

لكن يبدو أن ذهنية بعينها خلف توزيع ال5 دولارات، وهي ذات الذهنية التي خضعت لطلب رفع الدعم دون أن تنظر في الأرضية الاقتصادية والواقع السوداني المتمثل في قيمة الدخل الشهري، ومدى تحمل الدولة لمسؤولية تأمين المدخلات الأساسية وأهمها الوقود -بالذات- لكونه المتحكم في نجاح الزراعة واستمرارية الكهرباء والمواصلات.

وقد خَبِرَ أهل السودان بأنه ما ان يرفع الدعم عن الوقود إلا وترتفع الأسعار قاطبة، حتى ثمن (الأزيار) المصنوعة من الطين!
هذه رؤية مِنِّي اطرحها لمن يهمه الأمر، تتحدث عن توظيف (أمثل) وأكثر فائدة لجزء من مبلغ ال1.9 مليار دولار:

المعلوم أن الإنتاج الحالي للبترول في السودان 58.7 ألف برميل في اليوم، وما يتم تكريره من ذلك يكفي حوالي 40% من حوجة السودان على الأكثر، ويبلغ الاستهلاك من الجازولين ( 10.000طن/اليوم، مايساوي 300000 طن/الشهر ) لتغطية كافة القطاعات الاستراتيجية والحيوية والقطاع الزراعي، القطاع الصناعي، قطاع النقل، قطاع التعدين، والقطاعات الأخري.

ويبلغ استهلاك البنزين (4500 طن/اليوم، ما يساوي 135000طن/الشهر ).
واستهلاك الغاز يبلغ (1500 طن/اليوم، ما يساوي 45000 طن/الشهر.
وحجم الاستهلاك مبنى على الكميات التي توزع يوميا، والامداد عادة يتم عن طريقتين هما: الانتاج المحلي من مصفاة الخرطوم، والاستيراد من الخارج لسد العجز.

ويبلغ الانتاج المحلي من مصفاة الخرطوم:
1- الجازولين (4.500) طن/اليوم، ما يساوي (135.000) طن/الشهر،
ويبلغ العجز (165.000) طن/الشهر.
2- البنزين (2800 – 3000) طن/اليوم، ما يساوي (84000) طن/الشهر ويبلغ العجز (51000) طن/الشهر.
3- غاز الطبخ (750-800) طن/اليوم، ما يساوي (22500)طن/الشهر، ويبلغ العجز (22500) طن/الشهر
ولسد العجز يتم الاستيراد من الخارج.

وقد ذكر وكيل وزارة الطاقة قبل أشهر قليلة بأنه في مقدورهم زيادة الإنتاج إلى 74.1% بشرط أن يتم تأمين مبلغ 559 مليون دولار لذلك.

والذي أعلمه باعتباري كيميائي لديه معرفة بتفاصيل كثيرة عن آبار البترول في جنوب غرب السودان، إنه ان تم التنظيف (الميكانيكي والكيميائي) لهذه الآبار بصورة مثلى، ومعالجة لزوجة الخام في قعر البئر عن طريق المعالجة الحرارية وضخ بخار الماء إضافة إلى بعض المواد الكيميائية؛ يمكن بكل يسر زيادة كمية الإنتاج إلى الضعف تقريبا، وقد رأيت الفارق بعيني في آبار حزام أورينوكو الفنزويلي.

إنهم إلى جانب الطرق المذكورة اعلاه يستخدمون بعض سلالات البكتيريا لإسالة الخام وتحرير الكميات الملتصقة منه بالصخور، وهناك تشابه كبير في مكونات الخام السوداني وغالب الخام في فنزويلا، وكذلك فإن المعدات والاجهزة المستخدمة في الآبار تتشابه.

وبالطبع يكون الفارق في كمية الإنتاج بينهم ويننا، وبلا جدال فإن نظافة الآبار والتعامل مع لزوجة الخام عمل مهم لزيادة الإنتاج عندما يتم بالصورة المثلى، وقد رايت ذلك هنا ايضا في السعودية حيث أعمل، والذي استطيع الجزم به انه ان تم رصد مبلغ 900 مليون دولار – على الأكثر- من المبلغ المرصود لبرنامج ثمرات؛ يمكن بكل يسر رفع طاقة انتاج آبار النفط السودانية إلى مايقارب الألف برميل في اليوم.

وإذا تم اقتطاع مبلغ 500 مليون دولار أخرى من المبلغ لأمكن إعادة تأهيل مصفاة بورتسودان القادرة على تكرير 25 ألف برميل في اليوم، فإنها كافية لمد ولايات الشرق بمشتقات البترول، وبالتالي توفير الصرف على أسطول الشاحنات التي تعمل لذلك الغرض ذهابا وايابا.

وبذلك يمكن للسودان تمزيق فاتورة النفط بكل مشتقاته، وان كانت هناك حوجة لاستيراد فإنه سيقتصر على كمية قليلة لاترهق الخزينة العامة، إضافة لبعض المشتقات الخاصة مثل بنزين الطائرات.
وبذلك تعم الفائدة لكل أهل السودان بالاعتماد على البترول السوداني (بنزين وجازولين وغاز طبخ) عِوضاً عن الاستيراد من الخارج وحينها يتم الاضطرار إلى رفع سعر جالون البنزين ليصبح مساويا للسعر العالمي بغض النظر عن دخل الفرد السوداني الضعيف!.

لكن يبدو أن الغرض من توزيع ال5 دورات كل شهر هو الكسب السياسي فقط، وهاهم المعلمون يشكون الآن لطوب الأرض من نير الغلاء بعد الفرحة الأولى عندما زيد الراتب بذات الذهنية، ولم تستمع الحكومة يومها للتحذيرات من العديد من الاقتصاديين السودانيين ومن خارج السودان بخطئ ذلك دون ربطه وتأسيسه على دراسات سليمة تعنى بالانتاج، واستعادة الكتلة النقدية خارج القطاع المصرفي، وانصاف المغتربين باعتبارهم من أهم الجالبين للعملة الصعبة إلى السودان.

إن هذه الحكومة بهذه الذهنية، وضيق الأفق، والغرض؛ تضيع على السودان وأهله الإفادة من مبلغ قوامه 1.9 مليار دولار!.
نسأل الله ان يحفظ وطننا وأهلنا ويفرج كربهم.

في المقال التالي سأكتب عن دس السم في عواهن البرنامج، وقصة (الفيمينزم) ان شاء الله.

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى