برنامج ثمرات.. الغرض وضيق الأفق «2-2»

بقلم: عادل عسوم
تحدثت في الجزء الأول من المقال عن ضيق أفق الحكومة وتبديدها لمبلغ يقارب الملياري دولار دون دراسة سليمة لحساب العائد من توزيع ال5 دولارات (في الشهر)، واقترحت اقتراحا للإفادة من كامل المبلغ، وقد وصلتني عدد من الرسائل والتعليقات يتساءل أصحابها عن إمكانية رفض الجهات المانحة لتغيير منحى المنحة.
والرد على ذلك إنه سبق أن حدث تغيير المنحى لذات المنحة في كل من رواندا ومصر القريبة دي، فالغرض من المنحة هو (تخفيف آثار رفع الدعم)، ومن حق الحكومات اختيار المنحى الأنسب للإفادة من المبلغ، بشرط أن يخدم الغرض الأساس منها.
انتقل إلى الجزء الثاني والأخير من المقال.
لنقرأ بعض النقاط التي وردت في ثنايا تفاصيل توزيع ال5 دولارات كل شهر للأفراد والأسر السودانية:
متطلبات التسجيل:
1- التسجيل كأسرة يتم عبر [رب الأسرة سواء رجل أو إمرأة] برقمه الوطني والرقم الوطني للزوج أو الزوجة والأبناء والبنات.
2- [يحق للأم أن تسجل نفسها كرب أسرة لأبنائها في حالة كان الأب غير مسؤول] أو [لا يقوم بالصرف على أسرته] أو [بينهما مشاكل أسرية ويقيمان في نفس المنزل] ف[يحق للأم أن تسجل كرب أسرة مع أبنائها والأب يسجل كفرد لوحده].
3- الأم والأب في حالة الأبناء والبنات المتزوجين إذا كانوا على قيد الحياة وفي سن يتحملوا الحركة يتم تسجيلهم كأسرة منفصلة و[أما إذا كانوا كبارا في السن فيسجلوا تحت وصاية الإبن أو الإبنة المقيمين معهما].
4- [الرجل المتزوج بأكثر من زوجة وله أكثر من أسرة يقوم بالتسجيل مع زوجة واحدة وأبنائها كأسرة وبقية الزوجات يعتبرن رب أسرة لأبنائهن ويتم تسجيلهن كأسر منفصلة لوحدها على أن تكون الأم هي ربة الأسرة].
هذه بعض النقاط (المختارة) من كامل التفاصيل الخاصة بتوزيع مبلغ ال5 دولارات كل شهر.
أرجو من القراء التركيز على الفقرات التي حددتها بظفرين [ ]، وسأقوم بالتعليق عليها فقرة فقرة.
هذه الفقرات توضح جليا جِبلَِّة ومنهج الجهة التي وضعت هذه التفاصيل، فالغرض واضح منها بالسعي لضرب أسس نشأة الأسرة السودانية، وما ورد في ديننا عن القوامة فيها، ومن يقرأ تفاصيل الوثيقة الدستورية وما فيها من فقرات عديدة تتحدث عن المساواة المطلقة (الجندر) يتبين أن الأمر مقصود في ذاته، ولم يحدث في ضيافة برنامج ثمرات مصادفة.
وهنا يجدر بي الحديث عن الFeminism، وهو منحى أصيل في الفكر الشيوعي ومناهج اليسار على عمومها، وهم بالطبع عماد هذه الحكومة وواضعي (الوثيقة الدستورية) بعد ان أنجز الشباب الثورة.
ال Feminism ترجمته بالعربية (النِّسْوية أو الأنثوية)، هي مجموعة من الحركات الاجتماعية والسياسية والأيديولوجيات التي تهدف إلى تعريف وتأسيس المساواة السياسية والاقتصادية والشخصية والاجتماعية بين الجنسين.
والمطالبون به يرون أن الأولوية دائماً تُعطى للذكور، وأن النساء يعاملن بشكلٍ غير عادل في هذه المجتمعات، تشمل محاولات التغيير محاربة كل صور انتفاء المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة وان كانت مُسَلَّمات دينية مثل القوامة والمواريث، وهي أجندة لدى الأحزاب الشيوعية والأحزاب الرافضة للدين وتعاليمه.
انتهى.
لنعود إلى صياغة التفاصيل الخاصة باستلام مبلغ ال5 دولارات.
لنقرأ الفقرة الأولى والثانية معا:
1- التسجيل كأسرة يتم عبر [رب الأسرة سواء رجل أو إمرأة] برقمه الوطني والرقم الوطني للزوج أو الزوجة والأبناء والبنات.
2- [يحق للأم أن تسجل نفسها كرب أسرة لأبنائها في حالة كان الأب غير مسؤول] أو [لا يقوم بالصرف على أسرته] أو [بينهما مشاكل أسرية ويقيمان في نفس المنزل] فـ[يحق للأم أن تسجل كرب أسرة مع أبنائها والأب يسجل كفرد لوحده].
ركزوا على الفقرات التي حددتها بظفرين [ ].
تنص الفقرة الثانية على أنه:
[يحق للأم أن تسجل نفسها كرب أسرة لأبنائها في حالة كان الأب غير مسؤول].
يا ترى ماهي الجهة التي تحدد عدم مسؤولية الأب؟!َ
البرنامج يفيد بأن الجهة المسؤولة عن كل ما يتصل بتوزيع ال5 دولارات هم اللجان في الأحياء، ومعلوم الآن أن هذه اللجان جلها ان لم يكن كلها مكونة من شباب في مقتبل العمر، ومعلوم كذلك أن أسس الاختيار الحالية لأفراد هذه اللجان يرتهن بمناهج وأفكار مكونات الحكومة وحاضنتها قحت، أي أن الوثيقة الدستورية ستكون مستصحبة بما فيها من موجهات تضرب على عرى الدين الذي يؤسس للأسرة ومن يحق له أن يكون رباً لها.
لنكمل تفاصيل الفقرة الثانية:
[يحق للأم أن تسجل نفسها كرب أسرة لأبنائها في حالة كان الأب غير مسؤول]،
أو [لا يقوم بالصرف على أسرته]،
أو [بينهما مشاكل أسرية ويقيمان في نفس المنزل].
فـ[يحق للأم أن تسجل كرب أسرة مع أبنائها والأب يسجل كفرد لوحده].
…
ذاك يعني بوضوح أن المرأة ان كانت موظفة والأب كان حرفيا أثرت أوضاع الكرونا على عمله (مثلا) فجلس في البيت؛ فالقوامة تنتفي عنه وتصبح الزوجة هي ربة الأسرة؟!!!
هل ورد ذلك في ديننا، أو في أي عرف من اعرافنا السودانية؟!
إنه الفيمينزم الذي نادت به وئام، واسست له الوثيقة الدستورية.
ثم بالله عليكم كيف يتسنى لشباب اللجان في الأحياء الحكم على الأزواج، ومعرفة المشاكل التي تحدث بينهما؟!
ولماذا ان وجدت مشاكل بين الزوجين يكون الحكم والقطع من لجنة واضعي تفاصيل برنامج ثمرات بأن تنتقل القوامة الى المرأة لتصبح هي ربة البيت في الأوراق الرسمية، علما بأن هذه (Data) ستصبح متاحة للإستخدام بعد انتهاء ثمرات؟!
هل وجود أي خلاف أو مشاكل أسرية يكون الرجل فيها هو المخطئ دوما؟!.
لنتجاوز ذلك وننتقل إلى الفقرة الثالثة:
3- الأم والأب في حالة الأبناء والبنات المتزوجين إذا كانوا على قيد الحياة وفي سن يتحملوا الحركة يتم تسجيلهم كأسرة منفصلة و[أما إذا كانوا كبارا في السن فيسجلوا تحت وصاية الإبن أو الإبنة المقيمين معهما].
هذا الفهم والتعامل مع كبار السن يضاد المفهوم الإسلامي تماما، والمنحى الإسلامي في ذلك يجعل (الإبن وماله لأبيه)، وبالتالي فإن شخصية الآباء الاعتبارية تظل باقية طالما ظلا مميزان ويعلمان مايدور حولهما، وقد قضى الله أن لا يقال لهما أف؛ وإن بلغا من الأِثقال على الأبناء مابلغا، ثم إنَّ نزع الاعتبارية عنهما وجعلهما تحت وصاية الأبناء يؤثر عليهما نفسيا، وهما في الأصل ينتابهما الاحساس بأنهما أصبحا حرضا لافائدة من وجودهما.
لقد ورد عن مالك بن أنس رحمه الله في شأن البر بالوالد مامعناه، ان يضع الإبن مال تسيير حياة الأسرة لديه، ويأخذون منه ما يتطلبه معاشهم اليومي من مشتروات، كي يشعراه بأنه لم يزل الأب ورب الأسرة!
أين ذلك من فهم ومنهج هذه الحكومة الشانئة لدين الله؟!.
واختم بالفقرة الرابعة والأخيرة:
4- [الرجل المتزوج بأكثر من زوجة وله أكثر من أسرة يقوم بالتسجيل مع زوجة واحدة وأبنائها كأسرة، وبقية الزوجات يعتبرن رب أسرة لأبنائهن ويتم تسجيلهن كأسر منفصلة لوحدها على أن تكون الأم هي ربة الأسرة].
…
تبينوا الرفض الواضح لحق الرجل في التعدد!
ثم، لماذا لا يتم القبول بذات الرجل كرب أسرة لبقية زوجاته؟!
لماذا دق هذا الاسفين بجعل بقية زوجاته ربات الأسرة لأبنائهن منه، وهو على قيد الحياة؟!.
اعذروني للإطالة، فالأمر يستحق التفصيل بأكثر من ذلك.
نسأل الله عافية الدين والوطن والأبدان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.