لن يكون العلاج إلا إذا اشتكى المريض

بقلم: عادل هواري

الحمد لله الذي جاء بالحقيقة عاريةً -هذه المرة- من منظومة الحكم نفسها ممثلةً في رئيس وزرائها عبدالله حمدوك، فأنها حينما كانت تأتي على لسان الآخرين، لا يتردد المثبطون لحظةً في إضافة من يتجرأ بها فوراً الى عِداد حاملي لقب (المتأسلمين) ويُرمى من قِبل (جماعة المسطبة وشبّيحة راكبي موج الثورة) ودون تركيز فيما يقول بالرجعية وسدانة النظام السابق. 

على كل حال تبقى الحقيقة المؤلمة أن هذا هو الواقع الذي لا مهربَ منه سواءً قاله رئيس الوزراء أو جاء على لسان الحريصين على سلامة البلد أو غيرهم (ولن يكون القول مريحاً ولا سمحاً وإن كان من (خشم سِيدو).

ورغم أنه قد جاء متأخر جداً حتى كاد أن يفقد صلاحيته، ولكنه يجب أن يقال، ولا بد من إقرار السلطة القائمة به مهما كان الأمر مؤلماً والوقت حرجاً، حيث لم يجْدِ نفعاً ولم يحرِك همةً ما قاله الحادبون على مصلحة البلاد والعباد مراراً ومنذ زمن بعيد وبكل اللهجات وأسهبوا في وصف الحال وتقدير سوء المآل والتحذير من العواقب، بل والمساهمة في وصف العلاج للخروج من حالة الاحتباس الفكري وتعقيدات المشهد.

ولكن الرد كان جاهزاً ويأتيهم سريعاً وحاسماً وكاتماً لأي فكرة -ربما تكون صادقة ومفيدة-، بأنهم (رجعيون وكيزان) ويأتي ذلك وللأسف ممن يحسبون الثورة حالة مستمرة من الهتاف وتعمد الفعل خارج الحقيقة وخارج القانون وخارج المنطق أيضاً.

ولم يستوعبوا أن الثورة مراحل ونحن في أوسطها وهي مرحلة الحكمة وقراءة الواقع بدقة وعمق ومعرفة حدود الممكن والمتاح وتوسيع قاعدة الشراكة للعمل عليه بجد وعزيمة وتجرد ومجاهدة للهوى، لأننا نتحدَّث عن (بلد) بكل تناقضاته وليس عن حالة عابرة يهزم فيها فريق ويأخذ الكأس آخر. 

ولكن رغم ذلك أقول: أن تأتي متأخراً خيراً من ألا تأتي مطلقاً. 

فإلى الأمام حمدوك ولتبدأ بقرارات فاعلة على الأرض بعد توسيع الإستشارة، وأعتقد أن أول ما سيكون ناجزاً وفعّالاً في انجاح هذه المبادرة (والتي كان يجب أن تكون قرارات نافذة من مجلس الوزراء كمؤسسة وليست مبادرة كما جاء إعلانها) هو توحيد المنصة التي تنطلق منها القرارات ولملمة شتات الأفكار ولجم تلك التصريحات المتناقضة التي سالت بها هيبة الدولة بين أرجل الناس رخيصةً لا شكل لها ولا قوام.

تستند معظم تلك التصريحات على قوة السلاح والآخر يشهر في وجهنا سلاح التهميش وينزلق البعض عن قومية الدولة مهدداً بتعميق الإثنية لحكمها أو تفتيتها، وبذا تقاطعت قنوات مصادر القرار وتباينت أهدافها فاختنقت الدولة وكُتِمتْ منافذ الهواء فيها وانخفضت مؤشراتها الحيوية، وتعذر الإنعاش حتى جأر حاديها بالشكوى التي نحن بصددها الآن. 

كما يجب اعتماد تفعيل رمزية المؤسسية المفقودة في معالجة كل المسالب التي أشار إليها بدلاً من المغالاة في الركون الى هذه الفردية الباردة والتي تؤكد انفصال رأس المنظومة عن جسدها وتوحي بإستفحال داء سوء التنسيق وشتات الأمر.

والشاهد أنك وقفت -حضرة الوزير الأول- لتلقي هذه المبادرة وكأنك بصدد ورقة عمل في مؤتمر علمي، ولست في موقع مسؤولية وعلى رأس كابينة صانعي قرار في قيادة دولة توشك أن تنحرف الى المجهول. 

كما أنه من الضرورة ان تقود المرحلة بطاقم متناسق وذو خبرة يشاركك الفكرة ويؤمن بالأهداف القومية للمرحلة لضمان إنجاح ونفاذ ما هممت به ويكون الأداء متناسقاً والنتائج مقبول للجميع ومدعومة بالثقة وسرعة الاستجابة. 

وحينها ساقول بكل جراءة ورجاء -شكراً حمدوك- على الاعتراف الذي طال انتظاره لأنه يعتبر بداية الشروع في الحل، والقَبَس الذي ينير الطريق وتهتدي به خطواتنا نحو الإصلاح الذي ينشده الجميع.

ولكن تبقى دائماً الإرادة والجدية هما ركائز النجاح، والشفافية والشراكة الراشدة هما المعين، {ويبقى (العزم) أصدق أنباءً من الكتب في حده الحد بين الجدِّ واللعبِ} وبه سنصل ولو بعد حين. 

وآخر القول نعم للإصلاح الممنهج والأداء الشفاف والعدل المنبسط الذي لا يقصي إلا من ظلم ظلماً بيناً، والى الأمام. 

زر الذهاب إلى الأعلى