د. عمر كابو يكتب: الزحف الأخضر الانتصار الأكبر
لم أزل أصدر عن قناعة قوية لا يتطرق إليها الشك من أمامها ولا من خلفها أن عملية الإصلاح دومًا ترتكز على أرضية صلبة ودعامة راسخة هي توفيق الله الذي منه وبه تتم الصالحات وهذا ما شهدته ورأيته البارحة يوم الزحف الأخضر يوم التقت قلوب المؤمنين من أهل السودان حين تداعت من كل حدب وصوب بعد أن استفزهم واقع حكومة حمدوك المائل في كل شئ خدميًّا وصحيًّا و اقتصاديًّا وأخلاقيًّا وقانونيًّا لكن أكثر ما استفزهم أن تنقض عرى الإسلام كلها فتتحول الخرطوم تحت دعاوى الحرية لخرطوم الإباحة والاستباحة لكبائر الإثم والفواحش من دعارة وسفور ومجون تلك التي تمجها الطباع السوية وتأباها الفطر السليمة ويرفضها كل مسلم غيور على دينه.
الزحف الأخضر جسد رسالة واضحة مفادها أن الشريعة الإسلامية ليست محلًّا للمساومة أو المناورة ،حتى لو فشلت حكومة الإنقاذ في تطبيقها كلياً أو جزئيًّا وأن الخرطوم ليس فيها موطيء قدم لعلمانية كسيحة، هذا الذي جعل التدافع العفوي سيلًا من البشر تجاوز الخمسين ألفًا من رجال وحرائر السودان هتفوا بلا إله إلا الله فاهتزت جنبات القصر وتعالت حناجرهم بالله أكبر فرددها معهم الشجر والمدر، كل شيء كان هناك مدعاة للتأمل والتدبر كيف لشباب قادته من الرجال الأوفياء النبلاء تئن بهم جدران سجن كوبر ؛ ها هم يتجاوزون الأزمة ويرتبون صفوفهم ويتجاسرون فوق محنتهم هذه فيظهرون هذا التنسيق عالي الهمة عالي المستوى، كيف خرج هذا العمل فائق الجمال عظيم الترتيب بين جميع مكونات أهل القبلة أنصار السنة والشعبي والصوفية والحركة الإسلامية والثوار والإدارة الأهلية والمرأة والشباب والمنظمات الطوعية ومنظمات المجتمع المدني وعبد الحي يوسف ومحمد عبدالكريم.
نعم تجاوز الزحف الأخضر كل العراقيل التي وضعت أمامه و سيقت للحد منه من تهديد ووعيد وتشكيك في بياناته وترتيباته وإساءة وقمع ورعب وتشتيت للجهود وعراقيل وصلت إلى حد إغلاق الطرقات وتأخير الحافلات ومهاجمتها وبالرغم من كل ذلك كان الحضور فوق المتصور، لفت نظري أن معظم الحضور هم من فئتي الشباب والمرأة في تقديري أن مرد الأمر إلى يقظة الضمير و الوعي الكبير الذي يتمتع به الشعب السوداني والذي أدرك بذكائه المعهود أن حكومة حمدوك لا تعدو أن تكون مجموعة من الناشطين السياسيين الذين هم غرباء عن مواريث هذا الشعب السوداني وتقاليده وأعرافه وأنهم معزولون عنه تمامًا هذه العزلة بدت في أن حكومة حمدوك انصرفت عن القضايا الحقيقية للشعب السوداني من أزمة اقتصادية وغلاء إلى الطعن في الدين ومحاولة جادة لفرض العلمانية وحذف سور القرآن الكريم من المقررات الدراسية والانصراف لسفاسف الأمور من استيراد للخمور عبر وزارة الخارجية والبحث عن عبدة الأوثان والأحجار والتضييق على الصحفيين (الرزيقي وحل الاتحاد وأحمد البلال الطيب نموذجاً).
سررت أن هذه الحشود مثلت طليعة هذا الشعب السوداني والمستنيرين منه وقوام مجتمعاته المختلفة، و تأثرت أكثر لحضور إبراهيم القاضي ببصيرته النافذة جاء من عطبرة مشاركًا أهل القبلة فرحتهم الكبرى دون أن يقعده فقدانه لحاسة البصر وشدني صوت (البوري ) من السيارات التي كانت تمر عبر طريق الجمهورية مشاركة شعورية جسدت قيمة ومحبة هذا الشعب السوداني لدينه وتمسكه به.
فيما شكل حضور ياسر عرمان قيمة موجبة و لفتة بارعة منه فالرجل تتفق أو تختلف معه يظل أحد القيادات السياسية في البلاد ولربما أراد من حضوره أن يفتح صفحة جديدة مع التيار الإسلامي العريض عقب بعد تصريحاته الإيجابية في حقهم.
بالطبع أن أقوى ردود الفعل لنجاح الزحف الأخضر هو تصريحات السيد الإمام الصادق المهدي والذي دعا فيها الجميع للاتفاق والمصالحة شاملة داعيًا حكومة حمدوك إلى قراءة التيار الإسلامي قراءة موضوعية بعدم الإستهانة بهم من واقع عددهم وقدرتهم الكبيرة على الحشد والاحتشاد والتنظيم، رغم قناعتي التامة أنه يؤذن في مالطا ولربما جال في خاطره وهو ذاكرة للأمثال الشعبية (أنا بنفخ في قربة مقدودة ) هو إذن لسان حاله وأما لسان حالي فيقول (لقد أسمعت لو ناديت حيًّا). على العموم فقد نجح الزحف الأخضر وأرسل رسالة واضحة أن التيار الإسلامي العريض عسير عزله عسير إبقاء قيادته أكثر من ذلك في السجون حتى لا يضطر الزحف الأخضر لإخراجهم محمولين على الأعناق.
وغداً بإذن الله نواصل …