د. عمر كابو يكتب: الوطن ما بعد الزحف الأخضر

ما زالت تداعيات الزحف الأخضر وردود فعله تسيطر على الساحة السياسية السودانية ومن ذلك جاءت تصريحات السيد الإمام الصادق المهدي واقعية ومنطقية حيث أكد أن المجتمع الدولي ظل يتابع ويراقب مجريات الأمور في السودان وأنه سيتخذ خطوات تصب في الصالح العام ، لكن أشد ماراقني أنه ولأول مرة يبدي الإمام اهتمامًا عظيمًا صراحة بأمر المصالحة الوطنية كنتاج طبيعي وثمرة من ثمرات الحوار الوطني الشامل وبالطبع لم ينس (فرمالته) المحببة التي ظلت ملازمة له منذ عهد بعيد وما زال هو متمسكًا بها وهي (المؤتمر الجامع)، أعتقد أن إشارته من طرف خفي إلى التعجيل بعملية الانتخابات المبكرة بوصفها أفضل مخرج للمأزق الحالي لم يأتِ من فراغ؛ فالرجل ربما قرأ المشهد السياسي وعلم أن الأمور فيه تنحدر بسرعة إلى الهاوية وأن الأوضاع تسير من أسوأ لأشد سوء خدمياً واقتصادياً وقانونيًّا وسياسيًّا مماجعله يبادر لتنبيه حكومة حمدوك بضرورة ترتيب البيت الداخلي حتى لا تؤدي حالة الاحتقان والاضطراب الحالية إلى انقلاب عسكري جديد هي ذات الدعوة العقلانية التي قال بها عمر الدقير حيث شارك الإمام الصادق المهدي رؤيته في ضرورة الإسراع بعقد مصالحة شاملة وتسوية سياسية كاملة،فيما سارع معتز إبراهيم أحمد مدير المنظمات والمشروعات بإصدار قرارات جديدة مراجعة لقراراته السابقة (الوهمية ) التي كانت قد قضت بإيقاف تلك المنظمات هاهو يقوم بإخطار إدارتها لاستمرار مشاريعها مراعاة لأصحاب المصلحة ،فردود الأفعال هذه تؤكد النجاح الكبير للزحف الأخضر وهو مايلقي بتبعات على التيار الإسلامي العريض لمزيد من التنسيق والتنظيم والترتيب والتجويد لكن أهم من ذلك يجب وقف الاحتفالات بهذا النصر الكبير والتفرغ التام لمخاطبة قضايا المواطنين الملحة بعد أن ثبت فشل حكومة حمدوك وتردي الأوضاع وتفاقم الأزمات بشكل غير مسبوق،وتلك المخاطبة انما تكون عن طريق تبني بعض المبادرات والمشاريع المجتمعية فمن شأن ذلك أن يستعيدوا ثقة بقية الشعب السوداني والذي وصل لقناعة تامة بأن هذه البلاد من العسير حكمها بمعزل عن الإسلاميين .

لكن أهم من ذلك في رأيي أنه قد آن الأوان لتعيد أجهزة المخابرات العالمية قراءة الخارطة السياسية ما بعد الزحف الأخضر قراءة واقعية دون الاعتماد على الانطباعات الذهنية القديمة التي لا ترى في الإسلاميين غير كونهم حاضنة للإرهاب ومفرخًا للتفجيرات ومصدرًا ملهمًا لأشكال العنف؛ حيث غابت عليهم حقيقة أن التيارات الإسلامية مختلفة ومتنوعة ولايمكن أن ينظر إليها كلها من زاوية نظر واحدة ؛ فهم من حيث الوسطية والاعتدال يختلفون من تنظيم لآخر ومن هنا يجب إعادة تقويم ووزن تجربة الحركة الإسلامية السودانية بمعيار الإنصاف والعدل والقسطاس المستقيم بعدم تشبيهها بتجربة التنظيم العالمي للإخوان المسلمين فهي اكثر اعتدالًا ووسطية بالإضافة إلى أنها قدمت نموذجًا فريدًا في التعاون مع المجتمع الدولي للقضاء على ظاهرة الإرهاب فيما أبدت تجربة عملية أكثر بريقًا في ملف الحريات الصحفية أهلتها لأن تتصدر المركز الأول من بين دول الجوار في مساحة هامش حرية التعبير المتاح في السودان ، أما قضية السلام فقد سعت له الحركة الإسلامية السودانية بشتى الطرق حتى أنها ارتضت خيار تقسيم الوطن بإقرار مبدأ تقرير حق المصير والذي بموجبه انفصل الجنوب عن الشمال وأصبحنا دولتين تتمتع كل واحدة باستقلال وسيادة تامة مما يؤكد أنه ليس هناك من بديل مرن يرث تركة الحكم في السودان غير الحركة الإسلامية السودانية وبالعدم يجب تقبل الأوضاع في السودان باتخاذ التدابير التي تتيح فرصة ضمان المشاركة الحقيقية للإسلامين في الحكم شرطًا جوهريًّا للاستقرار السياسي .

قطعًا لن يغيب عن فطنة القاريء الحصيف أننا لم نتطرق إلى حكومة حمدوك ومرد الأمر في ذلك لسببين الأول منهما أن هذه الحكومة بات أمر مفارقتها أرض الحكم مسألة وقت (ميزانية ساكت تسقط لو ما سقطها عمر القراي) وثانيهما أن حمدوك لايتمتع بإرادة وقدرات سياسية تمكنه من الوصول لما وصل إليه الصادق المهدي وعمر الدقير وياسر عرمان قبلهما بضرورة المصالحة الشاملة .

زر الذهاب إلى الأعلى