إبراهيم عثمان يكتب: هل حقاً صبروا ٣٠ سنة؟
واحدة من أشهر الحيل القحتية لقمع أي محتج على التدهور الكبير في الوضع في كل النواحي هي حيلة “صبرنا على الإنقاذ ٣٠ سنة فكيف لا نصبر على حكومة قحت ٣ شهور أو ٣ سنوات؟!.” هذه الحيلة مليئة بالثقوب من كل صنف ولون :
• لأن القحاطة في الحقيقة لم يصبروا على الإنقاذ ولو ليوم واحد، بالعكس كادوا لها وبالغوا في الكيد منذ اليوم الأول، وها هم الآن يكرمون القائمين بأول محاولة إنقلابية ضد الإنقاذ، (هناك محاولات إنقلابية أخرى ضد الإنقاذ فلماذا لم يتم تكريم القائمين بها وترقيتهم وتعويضهم عن أي أضرار لحقت بهم؟ هل لأن التكريم امتياز خاص للإنقلابيين من لون سياسي معين ؟)
• حتى بعض من شاركوا في السلطة يتحدثون الآن عن أنهم لم يصبروا على الإنقاذ ليوم واحد وهم على رأس مناصبهم! فهناك المفتخر بتجسسه على مكتب الرئيس، وهناك الذين زعموا بأنهم كانوا ينخرون النظام من الداخل، وهناك التي زعمت بأنها كانت تعارض خلال ١٣ عاماً قضتها متنقلة بين الوزارات!
• كل المعارضة ساهمت في أبعد الأعمال عن الصبر فقامت بتأجيج الحروب شرقاً وغرباً وجنوباً وافتخرت بذلك، افتخر مناوي بأنهم استنزفوا خزينة الدولة بالحروب التي أشعلوها، وافتخر عبد الواحد بأن الحركات ساهمت في إفقار الشعب وتهييجه ضد النظام بالحروب التي كلفت خرينة الدولة مليارات الدولارات التي كان يمكن أن تغير الحال إلى الأفضل !
• وكل القادة المعارضين ساهموا في فرض العقوبات وتأليب دول الجوار وعرقلة مشروعات التنمية .. إلخ وكل مؤيدي المعارضة أيدوا ذلك، ولا يمت هذا للصبر بصلة.
• لم تكن كل سنوات الإنقاذ سنوات شدة، فقد كانت هناك سنوات رخاء حسنت الأوضاع بشكل واضح، وتمت خلالها إنجازات كبرى في البنى التحتية، وتحسنت الحالة المعيشية وحدثت الوفرة في كل شئ، فأتى المصريون والباكستان والبنغالة ومختلف الجنسيات، وتحسنت الأجور بشكل واضح جداً، فأصبح راتب كثير من العاملين في الدرجات الدنيا يعادل أكثر من ألف ريال سعودي، أي ما يعادل أكثر من ٢٥ ألف جنيه حسب سعر الريال في زمن القحط هذا.
• حتى الحركة الانفصالية الجنوبية لم يطالبها القحاطة بالصبر عسى أن يأتي الوقت الذي تحكم فيه السودان كله بمشروع قرنق كشرط لم تكن تخفيه، بل كانوا أول من أقر تقرير المصير في أسمرا، ودعموها أثناء التفاوض، وأحد بنود التفاوض كان هو تطويل الفترة الانتقالية التي تسبق الاستفتاء إلى ١٠ سنوات، وهو بند يحمل في داخله الصبر والتأني وعدم استعجال القرارات المصيرية، أيد القحاطة كل مواقف الحركة التفاوضية، ودعموا خطها الانفصالي عند صياغة قانون الاستفتاء، وشجعوها على الانفصال وبرروا لها وصادقوا على كل مزاعمها .
• لم يكن أي من القحاطة يتحدث طوال سنوات الإنقاذ عن أن الشعب صابر، بل كانوا على الدوام يتحدثون عن الشعب الثائر المقاوم المقموع، فهل يريدون من الشعب أن يكرر ذلك النوع من “الصبر” بحذافيره أم إنهم – كالعادة- كانوا يكذبون لأنهم يعلمون أن أغلبية الشعب، في معظم سنوات الإنقاذ، لم تكن صابرة عليها فحسب بل متحمسة لها ومعترفة بإنجازاتها وآملة في المزيد. وأنها كانت تعلم أن أزمات الشهور القليلة الأخيرة ما قبل الإنقلاب كانت هي الإسثناء وليست القاعدة، وأن حكومة معتز لو كانت مستمرة حتى الآن لكانت قد تجاوزتها بدلاً عن تفاقمها الحالي.
• المعارضة لحكومة القحط لا تشجع على حمل السلاح، ولا تحرض دول الجوار، ولا تتفنن في صناعة التهم التي تجلب العقوبات، ولا تتجاوز الكثير من الخطوط الحمر التي كان القحاطة يعتبرون تجاوزها نضالاً مشروعاً وجسارة محمودة. كل ما تفعله المعارضة الآن لا يزيد عن الحد الأدنى للنشاط المشروع في زمن يُفترَض أنه زمن الحريات .
• المؤتمر الوطني نفسه كان قد قرر ممارسة أعلى درجات الصبر رغم الاستهداف والمطاردات والمصادرات والتشريد، فبشّر بسياسة المعارضة المساندة، لكن حكومة القحط رفضت ذلك، وقررت أن تطارده، مطاردة القذافي لثوار ليبيا دار دار زنقة زنقة “دولاب دولاب” أو كما قال المتمكن أبو الجوخ، فقرر الانتقال إلى المعارضة، في حدها الأدنى، مثله مثل سائر الأحزاب غير المنتمية إلى حلف القحط.
• الصبر في العادة ينبني على الأمل، والأداء البائس لأحزاب الفكة اليسارية، ولعاهاتها التي تنفضح كلما تحدثت، والتمكين الذي يسير بطريقة مستفزة للجميع بمن فيهم بعض قيادات قحت، لا يوفر هذا الأمل ولا يخلق بيئة مناسبة للصبر الذي تريده حكومة القحط.
• الدعوة للصبر في مواجهة جمهور ومعارضةتمارس أدنى درجات المعارضة هي في الحقيقة دعوة لتجميد النشاط السياسي لكل الأحزاب غير الحاكمة، ولتغنيم الجمهور والإنخراط في حملة “شكراً حمدوك” التي توحي بإنجازات كبرى لا تتسق مع دعوات الصبر هذه، فلو أن الإنجازات فعلاً بالحجم الذي يبرر حملة الشكر الكبرى هذه لما احتاج القحاطة إلى تكرار الحديث عن ضرورة الصبر ولكان الطلب من الجميع هو الإعتراف بالإنجازات والشكر عليها.