إلى ابنائي وبناتي الثوار مع التحية

بقلم/ عادل عسوم

المدنية في كل تعريفاتها لم تعن يوما رفض الجيش/العسكر وحرمانه المشاركة في الحكم، والمناداة ببقاء الجيش في ثكناته غير عادلة ولاتفيد الوطن في شئ، فالعسكري ترجح كفة حبه للوطن على بقية شرائح المجتمع؛ لكونه يقدم نفسه للموت في سبيل وطنه، وهو بذلك احرص على الوطن عن بقية الناس، فأي رجحان للكفة بأكثر من ذلك؟!

وكل عاقل وصاحب وعي يعلم يقينا بأن فترات الانتقال يكون الجيش هو الاصلح للحكم فيها، فالجيش على العموم يكون أكثر المؤسسات وحدة ولحمة اجتماعية مقارنة بما حوله من احزاب ومكونات ومنظمات مجتمع.

وجيش السودان لن يكون نشاذا وان شابه ماشابه، فالمكونات المسلحة الملحقة بالجيش الآن مهما بدا للرائي بانها توازيه؛ إلا إنها ليست مليشيات كما هو الحال في دول أخرى مثل لبنان أو اليمن او سوريا او ليبيا او الصومال.

وتاريخ السودان الحديث يسجل لجيش السودان نجاحا لافتا في حكم فترتي انتقال استطاع ان يسلم بعدها السلطة بكل اقتدار وسلام إلى انتخابات اشتراعية، ويكفيه فخرا ان جيش السودان قدم للعالم ايقونات مثل المشير عبدالرحمن محمد حسن سوار الدهب وجعفر محمد نميري والزبير محمد صالح رحمهم الله.

يقابل ذلك أسى واحباط وعدم رضي بالنفس من السياسيين من غير العسكر على مدنية وديمقراطية كتب عنها المحجوب رحمه الله وأسهب، ودوننا الذي حدث لرائد الاستقلال الأستاذ اسماعيل الأزهري رحمه الله، الذي أدخل إلى السجن نتاج كيد سياسي لم يشارك فيه العسكر من قريب أو بعيد، ثم مات بحسرته قبل ان يجد العدل والانصاف ان كان خلال فترة سجنه او -حتى- بعد ذلك إلى يومنا هذا!

وللعلم فلست من مؤيدي انقلابات العسكر على عموم ذلك، ولكن هناك استثناءات تفرضها مصالح الاوطان عندما يخشى عليها من الانهيار كما هو الحال الآن في عدد من الدول من حولنا، ولكن ينبغي أن يحدث ذلك باجماع الناس لا ان تنفرد به جهة او فرد كما هو الحال في غالب الانقلابات العسكرية، ولعل الأمر بهذا التوصيف لابستحق ان يسمى انقلابا بل تصحيح الوضع وتأمين لسلامة البلاد والعباد طالما ضمن الناس حسن النية وتم بيان المآلات بكل وضوح وجلاء، ومن ذلك تسلم سوار الدهب لمقاليد الحكم بعد سقوط نميري، والآن بعد أن (كوشت) احزاب أربعة على الحكم دون انتخابات ولا اجماع، أما فترات الانتقال فإن حكم العسكر لها أدعى للسلامة للوطن، يصبح الجيش خلال فترة الانتقال جسما سياديا مرجعيا، وتسنده سلطة تنفيذية/مجلس وزراء يختار له الوزراء من الكفاءات واهل الخبرة كل في مجاله، وهو ذات الذي حدث من قبل في ثنايا فترتين انتقاليتين.

فما الداعي الآن الى رفض وجود العسكر خلال فترة الانتقال؟!

ولنستعرض بعض تفاصيل فترة الانتقال الأولى اكتوبر 64 وقد رأيت وسمعت الشباب يحتفون كثيرا بأناشيد تلك الثورة، ولكن ان سألت احدهم عنها لاتجده يحيط بتفاصيلها ولاتفاصيل حكم العسكر الذين تفجرت تلك الثورة على حكمهم في ظل هتاف (حكم العسكر مابتشكر)!

فهل كان حكم العسكر الذين قامت عليهم ثورة اكتوبر 64 مابتشكر؟!

سنتبين ذلك في هذا المقال ان شاء الله.

ولكن ينبري سؤال قبل الخوض في ذلك:

هل نفعت اناشيد اكتوبر 64 اصحابها الذين ألفوها وغنوها؟!

وياترى هل قدمت للسودان وأهله ايجابا ترك بصماته على الاجيال اللاحقة؟!

لقد كانت اكتوبر ثورة آباء على الحكم العسكري بقيادة الفريق ابراهيم عبود الذي حكم السودان لست سنوات فقط (من 1958م إلى 1964)، فماهي انجازات العسكر حينها في عهد الفريق ابراهيم عبود؟!

لقد شهد السودان أولى خطواته في التنمية بعد الاستقلال. وأرسى عبود بنى تحتية راسخة وتنمية مشهودة وازدهار لاقتصاد جعله من الدول المانحة في ذاك الزمان!.

وهذه بعض انجازات العسكر في عهد عبود:

1- انشاء خزان الرصيرص ..

2- انشاء خزان خشم القربة..

3- انشاء مصنع سكر الجنيد ..

4- انشاء مصنع سكر خشم القربة ..

5- انشاء مصنع سكر ملوط ..

6- انشاء مشروع المناقل بمساحة (800) ألف فدان ..

7- انشاء مشروع خشم القربة الزراعى بمساحة (400) ألف فدان ..

8- انشاء مشروعى الدالى والمزموم بمساحة (500) ألف فدان ..

9- تشييد كبرى شمبات وعمل أجنحة لكبرى النيل الابيض ..

10- مد خط السكة حديد الى واو فى جنوب السودان والى نيالا بدارفور ..

11- تشييد طريق الخرطوم حتى الحصاحيصا .. وأكمله جعفر النميرى الى بورتسودان ..

12- انشاء تلفزيون السودان ..

13- انشاء مصنع صك العملة ..

14- انشاء الخطوط البحرية السودانية..

15- انشاء محطة كهرباء برى الحرارية وإنشاء كهرباء سنار ..

16- إنشاء صوامع الغلال فى بورتسودان والقضارف ..

17- إنشاء مصنع البان بابنوسة ..

18- إنشاء مصنع تعليب الخضر والفاكهة في كريمة ..

19- إنشاء مصنع التعليب بمدينة مريدى..

20- إنشاء مصنع الكرتون بمدينة كسلا ..

21- إنشاء مصنع النسيج السودانى بحرى ..

وعندما أزيح الرئيس عبود عن السلطة في ثورة أكتوبر 1964م ترك البيت الحكومي وانتقل إلى بيت أحد أقربائه وعاش فيه إلى ان توفاه الله رحمه الله وغفر له ورضي عنه.

وعبود هو اول من وحد السودان ثقافيا شمالا وجنوبا، وذلك من خلال تعريب التعليم الأولي بينما ترك التعليم الثانوي باللغة الانجليزية، وسعى إلى ترقية أساليب التعليم وضمان جودته. وبجانب ذلك عمل على تحجيم سلطة الكنائس في الجنوب بعد ان دحر التمرد وكسر شوكته وأبطل خطط الانجليز بعيدة المدى المسماة بسياسة المناطق المقفولة.

وبسبب ذلك بالتحديد كانت نهاية عبود وبداية اكتوبر!

قد سعى مجلس الكنائس العالمي إلى الكيد للفريق إبراهيم عبود وكانت لها بصماتها في إسقاط حكم عبود، وتداعى الشيوعيون لذلك بشعارات ثورية وديمقراطية مستغلين دم القرشي رحمه الله وقد قتل برصاصة طائشة، واستطاع الشيوعيون التأثير في الشارع من خلال واجهة اسموها جبهة الهيئات شبيهة بواجهتهم الحالية تجمع المهنيين، وحشدوا الهتافات الثورية الجوفاء، والأناشيد المحركة للعواطف، فلم يجد عبود إلا التنازل سلميا وتسليم السلطة، لتسود فوضى أكتوبر الذي جاء بدسائسه ومكائده الحزبية البغيضة، وﻷول مرة تتصاعد اﻷزمة السودانية ويتم تدويل مشكلة الجنوب، فاليسار معهود عنه الاستقواء بالخارج وان استدعى ذلك خيانة الوطن!، وتحت خباء الديمقراطية مورس التسلط ووأد الحريات وقد كانت مصونة الى درجة مشهودة خلال فترة حكم العسكر من قبل الثورة، وتجرأ البعض على مقدسات الأمة فتم حل الحزب الشيوعي من داخل البرلمان، ولخص محمد احمد المحجوب رحمه الله خيبته كمثقف وسياسي في ديمقراطية اكتوبر ومابعدها في كتابه الفخيم (الديمقراطية في الميزان).

والحق يقال بأن حكم عبود لم يخل من بعض السلبيات والسوءات، ومن ذلك استفحال مشكلة الجنوب، ثم قضية قسمة مياه نهر النيل مع مصر والتفريط في مدينة وادي حلفا وماجاورها من قرى عديدة بكرم حاتمي لم يجد من الطرف الآخر مقابل ينفع الوطن وأهلنا ولا تقدير!

لكن تبقى انجازات الرجل برغم قصر فترة حكم الجيش ماثلة للعيان تحكي عن حب حقيقي للوطن، ويشي المنحى الذي اتخذه عبود في تسليم السلطة بأنه لم يكن ديكتاتورا البتة كما وصفته اناشيد اكتوبر، فقد شهد الإعلام في كل مجالاته طفرة غير مسبوقة في كل العالم العربي والافريقي من حولنا من اذاعة وصحف ومجلات ومنتديات واركان نقاش وسواها.

ليت الأبناء والبنات يقرأون تأريخ السودان جيدا قبل الهتاف المنافي للحقيقة والمركس للوطن.

اللهم هل بلغت فاشهد.

[email protected]

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى