قصة واقعية: زاهية والأرض السبخة «2 – 4»!

بقلم: عادل عسوم
(أحداث هذه القصة حقيقية في الكثير من تفاصيلها، لكنني قمت بالتحوير في أسماء شخوصها، ونُذُرٍ من تفاصيلها، حرصا على السِتر، واتساقا مع سياق القصة).
..
ولقيت (زاهية) ترحيبا كبيرا وصداقات من قِبَلِ العديد من كوادر اليسار في الجامعة، فانخرطت شيئا فشيئا في أنشطتهم الثقافية والاجتماعية، وأضحت كل أمسياتها بينهم، والحق يقال إنها لم تكن تحب أفكار اليسار، إذ ألفاظٌ ومفاهيمٌ مثل البلوريتاريا والطبقات المسحوقة والعمال، كانت توحي لها وتذكرها بحياة الفقر والمعاناة التي تعيشها، تلك الحياة التي تسعى للهروب والانفكاك عن أُسارها بخواطرها قبل واقعها حالمة بسوحٍ وفضاءاتٍ للثراء والأضواء.
لكنها وجدت في عوالم اليسار ما هُيِّئَ لها بأنه حُبٌّ للثقافة والاستنارة، يضاف الى ذلك سَمْتُ للتحرر من القيود، ورغبةُ كامنة للتفلّت عن اسار التقاليد والعادات تبينتها في العديد من اليساريات.
وعن الدراسة فقد استطاعت التفوق فيها منذ البدء، وعمدت إلى إحاطة نفسها بهالة الطالبة المتفوقة والمتميزة.
لكن ما إن انتصف العام الدراسي الأول انقطعت عنها المصاريف -على قلتها-، بعد أن أضحت تتأخر كثيرا في الوصول اليها، فأيقنت بأن حال اسرتها قد ارتكس بأكثر مما كان عليه، وأسقط في يدها وهي تجهد نفسها بحثا عن مصدر للصرف على الشخصية التي رسمتها لنفسها، بحثت عن أرقام هواتف لأهلها ممّن يقيمون في العاصمة واتصلت بهم لكنها لم تجد بغيتها، فالكل حالُه يغني عن سؤاله.
وخلال صباح يوم جديد إنضم إلى الكلية أستاذٌ للّغة الأنجليزية، إنه شابٌ من حَمَلةِ الماجستير أتت به (اللجنة الشعبية) المشرفة على الجامعة، وقد كان مُعيداً في إحدى جامعات العاصمة، استعانت به الجامعة بعد مغادرة محاضِرَتان -فجأة- إلى إحدى دول الخليج، إحداهن مرافقة لزوجها والأخرى لتعاقدها مع إحدى الجامعات هناك،
وعُلِمَ عن القادم الجديد بأن جذوره من المدينة المجاورة حيث سمعت زهرة بإسمه يتردد كثيرا في ثنايا أحاديث ونقاشات زملاءها من المنتمين إلى اليسار، فالرجل كادر يساري شهير، ووالده كان عضوا نشطا في نقابة السكة الحديد،
وباشر الأستاذ عمله كمعيد بالكلية لتتبين -منذ الوهلة الأولى- بأنه صيد ثمين، وحواء بطبعها تعرف مغزى نظرة الرجل اليها مهما حاول اخفاء رغباته، وبانتهاء المحاضرة الأولى لحقت به في مكتبه بدعوى الاستفسار عن المحاضرة مستصحبة النية بأن تريه من نفسها أستعدادا للمسايرة، وبانصرام الأسبوع الأول إذا بها تحظى منه بموبايل حديث.
وتوالت الأيام، وقويت الصلة بين زاهية وأستاذ حسن، وبدأ الهمس في مجتمع الجامعة (الصغير) يعلو يوما بعد يوم، وأضحى الكل يَلِغُ في حكايتهما، لكنها كانت تدافع عن نفسها وتدّعي دوما بأن الذي يُرَى عليها من ألبسة جديدة وعطور وآثار نعمة مرده ماترسله لها أسرتها المقيمة في الخليج، ويصل الأمر بها إلى تذوق طعم الخمر لأول مرة في حياتها!.
وتصبح القضية فاكهة لأركان النقاش بين أحزاب اليمين واليسار، وتصبح زاهية شخصية مبجلة لدى أطياف اليسار، بينما تنتاشها ألسنة الإسلاميين، ويتواصل الحديث ليصل الى أفراد اللجنة الشعبية ومجلس الجامعة، فالمدينة مازالت تحتفظ بروح القرية والحرص على ضوابط السلوك والأخلاق، فيصدر القرار بالاستغناء عن خدمات الأستاذ حسن، وتعود زهرة الى المربع الأول، بل أضحى وضعها أسوأ من ذي قبل بعد أن اعتادت على حياة الرفاه بما كانت تتلقاه من أموال وهدايا من أستاذ حسن، وأعياها التفكير لايجاد حل، إلى أن كان يوم خروجها مع صديقتها نازك.
نازك دونها جمالا وذكاء وتحصيلا في دراستها، لكنها كانت بنت ذوات بحق، ولدت ونشأت في دولة الإمارات العربية المتحدة ثم درست كل مراحلها التعليمية حتى اكمالها للمرحلة الثانوية هناك.
وازدادت متانة صداقة زاهية ونازك، وطلبت منها نازك أن تمضي معها عطلة نهاية الأسبوع في بيت أسرتها فلبّت الدعوة، وتحصلت على موافقة من إدارة بيت الطالبات (الداخلية) للمبيت في الخارج، وجاءهم ابن عم نازك وخطيبها (زهير) ليقلهما بعربته إلى منزل أسرة نازك، قالت له نازك مخاطبة:
– زهير أعرفك بصديقتي وزميلتي زاهية، طبعا حاتقضي معاي الليلة وبكرة.
– أهلا بيكي يازاهية، وشرفتينا كتير والله…
– الله يبارك فيك ياأستاذ زهير.
وواصلت زهرة قائلة:
– طبعا الشابة دي كلاما دايما معانا عنّك، اييييك شُكُر شديد وكلام حلو، وختمت حديثها ضاحكة:
– ربنا ييسر ليكم ويتمم زواجكم علي خير يااارب.
فيرد زهير:
– والله فيها الخير، نازك دي بتَّ العم قبل ما تكون النص الحلو، ثم ابتسم ونظر الى نازك التي بادرته قائلة:
– خلاص يازهير بقّيتني نص من هسى؟… كدي بالله خلينا من مَكَناتَك دي وركز لينا قدامك ماتقوم تعمل بينا حادث كمان، وضحك الجميع.
أحست زهرة بعدم الارتياح من نظرات زهير الذي كان كثير الالتفات لاستراق النظر إليها، بل وصلت به الجرأة إلى تعديل وضع المرآة الأمامية لتطل عليها مباشرة وهي تجلس في المقعد الخلفي من العربة!.
وصلوا الى بيت أسرة نازك لتتلقاهما والدة نازك وأخوتها الصغار، ومنهم شقيقها الأوحد سامي أمام مدخل المنزل،
والتقتها والدة نازك بحنان بالغ، احتضنتها وقبّلتها قائلة:
– ماشاء الله عليك يابتي، النبي حارسك، صدقت نازك، فتفاجأت زهرة وقالت ضاحكة:
– انتي ياخالتو نازك دي أصلها قالت ليكم شنو عنّي؟!
– والله يابتي طواااالي بتشكّر فيكي.
وصاح سامي إبن الخامسة:
– والله نازك دي كلو يوم تقول لينا معانا واحدة اسمها زاهية سممممحة شدييييد زي ملكات جمال العالم…
فما كان من زهرة الاّ أن أمسكت به وقبلته ضاحكة وقالت:
– أها بالله مش كضااااابة نازك دي، وطلعت أنا شييييينة لمن بيغادي؟…
رد سامي وقال:
– لا والله ماكضابة ولاحاجة، انتي صحى سمحة شدييييد زي الممثلات في المسلسل التركي،
وضحك الجميع، ثم أردفت نازك قائلة:
– أها يازاهية سامعة الشكر دة كللللو؟ قصرت معاكي؟
– والله بالغتي عدييييل كدا يانازك، ملكة جمال العالم مررررة واحدة.
فقالت والدة نازك:
– غايتو بعد شهادة سامي دي تاني مافي أيّ كلام يابتّي، سامي دا عاد لابيعجبو العجب ولا الصيام في رجب، ويتواصل الضحك، ويتواصل الترحيب بزهرة.
… يتبع