أحابيل برطم

بقلم: إبراهيم غثمان

(أنا بتهمني قضيتي المركزية، أنا عندي الخرطوم أهم لي من القدس، ومن مكة ذاتا) – أبو القاسم برطم.

تحتوي هذه العبارة على صورة بدائية مكشوفة وشديدة الضعف لمغالطة الإحراج الزائف أو المأزق المفتعل ( False Dilemma )، فالأستاذ برطم يفترض وجود معضلة تتمثل في التعارض بين الاهتمام بالخرطوم من جهة، والاهتمام بمكة المكرمة والقدس الشريف من جهة مقابلة، ويفترض أن هذا التعارض لا يمكن رفعه إلا بالإنحياز الكامل، عملياً وعاطفياً، لأحد الطرفين، وهو الخرطوم كما يقول. وهذه معضلة زائفة تماماً، وكذلك الحل الذي قدمه زائف تماماً:

▪️ أولاً من الواضح أن برطم استخدم هذه المعضلة الزائفة، وقدَّم هذا الحل الزائف، متعمداً وقاصداً خدمة موقفه المناصر لإسرائيل عبر التضليل، فهو ليس جاهلاً لنفترض أنه وقع في هذه المغالطة الركيكة عرضاً عن غير قصد، فهو لا يستطيع وضع تل أبيب في جملة مشابهة مكان مكة المكرمة والقدس الشريف .

▪️التعارض الذي صنعه زائف تماماً، ولا أظن أن هناك سودانياً، غير برطم وأمثاله، شعر في يوم بأن ارتباطه الوجداني بمكة المكرمة والقدس الشريف يخصم من ارتباطه بالخرطوم .

فالارتباط بمكة المكرمة والقدس الشريف ذو طابع ديني، ولن تصح عبارة برطم إلا لدى شخص يصطنع تعارضاً بين الدين والوطن لكي يشرعن إلغاء الارتباطات الوجدانية الدينية.

▪️ ينحاز برطم، في الحقيقة، إلى تل أبيب في مقابل القدس الشريف، وليس إلى الخرطوم في مقابلها. إذ لا تعارض من أي نوع أصلاً بين القدس والخرطوم، وإنما التعارض الحقيقي يوجد بين القدس وتل أبيب، وبرطم ليس جاهلاً ليخفى عليه ذلك، ولعلمه به فقد كان من أوائل السودانيين الذين عبروا عن رغبتهم في زيارة تل أبيب!.

▪️ يحاول برطم إحراج غالبية السودانيين أصحاب الارتباط الوجداني بمكة المكرمة والقدس الشريف بتهمة تهميش الخرطوم! وهذا إحراج زائف يستطيع راعي الضأن في الخلا أن يكشف زيفه

. ▪️ ويحاول أن يرسم لنفسه صورة وطني غيور تزيد وطنيته عن المتوسط العام، وما ذلك إلا لأنه يوفر عاطفته تجاه مكة المكرمة والقدس الشريف، لينفقها كلها على الخرطوم وحدها!.

وبما أن هذه العاطفة تجاه المدينتين الشريفتين غير موجودة أصلاً، كما يبدو من اللغة العدائية، فإنه في الواقع ينفق على الخرطوم السراب!.

▪️هذا فضلاً عن أنه إذا كانت العاطفة للأوطان تنقص بوجود عاطفة لمكان بالخارج، فإن عاطفة برطم للخرطوم ستنقص بمقدار عاطفته الكبيرة لإسرائيل.

بل إن ظروف اشتغال معضلته الزائفة وتحولها إلى معضلة حقيقية تتوفر في حالة الخرطوم وتل أبيب، فلطالما تأذى السودان من أفعال إسرائيل، ولا شئ يثبت أنها ستغير نهجها في المستقبل مهما كثر أمثال برطم.

حاشية :

تعريف و معنى برطم في معجم المعاني الجامع
برطمَ: (فعل) :
برطمَ يبرطم ، بَرْطَمَةً ، فهو مُبرطِم برطمَ الشَّخصُ : كشَّر وعبَس وقلَب شَفَتَيْه غيظًا أو غضبًا .
بَرطَم: (اسم)
البَرْطَمُ : العَيِيُّ اللِّسانِ
بَرْطَمَ في اللغة العامية : تكلم بكلام غير مفهوم وبطريقة غاضبة .

تُرى ما السر الإضافي، بجانب الانحياز لاسرائيل، لغضب وغيظ وبرطمة برطم بخصوص مكة المكرمة والقدس الشريف

زر الذهاب إلى الأعلى