د.عمر كابو يكتب : حمدوك لا حصافة ولا كياسة

زيارة عاجلة لمعجم اللغة تفحصًا تجد أن مادة الفعل حصف ترد بمعنى استحكم عقله وجاد رأيه فهي من المصدر حصف بمعنى جيده محكم العقل والموصوف منها حصيف ذلك الرجل الذي تكون أحكامه عادلة تحتكم إلى العقل بينما في قاموس المفردات السياسية ورد مصطلح الكياسة السياسية بمعنى تجنب اللغة أو السلوك الذي يمكن اعتباره استبعادًا أو تهميشًا أو إهانة لطائفة أو تيار أو جماعة ما وهو معنى يتفق تمامًا وينصرف إلى مدلول الصواب السياسي الذي يعنى تجنب الوقوع في ألفاظ تجريح المشاعر أو تأجيج الفروقات.
فهل بتلك المعاني يمكن القول أن عبدالله حمدوك يوم ذهب إلى داخلية الشهيد علي عبدالفتاح والتي رآها لأول مرة في حياته ناهيك أن تكون له بصمة فيها من وضع لبنة عليها أو مساهمة قليلة ولو في حجم إنجازاته الخبال هل كان كيسًا حصيفًا؟
إن كان التساؤل كذلك وأظنه مشروعًا بل وحتميًّا وضروريًّا؛ فإن الإجابة تبدو ببداهة أن الرجل لم يكن كيِّسًا ولا حصيفًا في تلك الزيارة وهما صفتان ظهرتا واضحتين للرأي العام يوم أن ذهب لأمريكا في المرة الأولى كان عليه أن يدرك لو كان حصيفًا أو كيِّسًا بأنه غير مرحب به على الأقل من ناحية أنه لايحوز على مستند يثبت أنه جاء منتخبًا والكل يعلم أن أمريكا لا تتعامل مع أية حكومات غير منتخبة ولانعدام الصفتين فيه فقد ذهب مرة ثانية وعاد يجرجر أذيال الخيبة وأثواب الهزيمة؛ إذ رفضت كل القيادات العليا أن تلتقيه وتركوه لصغار موظفي وزارة الخارجية يلعبون به و ببلاده ليعود محملاً وطنه تبعات و التزامات لا قبل له بها، هي تلك الطريقة التي جعلته يقدم على خطوة تبديل لافتة باسم شهيد وطن قد أصبح رمزًا وطنيًّا خالصًا لكافة أهل السودان بعد أن انتصر لرجولتهم و شهامتهم ونخوتهم و قبل ذلك لرب ودين فاستحق لقب شهيد السودان الأول فعلي عبدالفتاح الرجل الأمة شرفت الداخلية بأن يعتلي رسمه واسمه عليها ولم ينتقص من قدره ذلك الفعل الآثم الذي وضح عدم كياسة وحصافة حمدوك من حيث أراد الإساءة والتجريح ارتد الأمر عليه حسرة وندامة بأن أنعش في الأذهان سيرة علي عبدالفتاح الغائب الحاضر وجعل مواقع التواصل الاجتماعي تردد خطبه وذكراه وفراسته وشعره تمجيدًا وتعدد ما كان يتحلى به من مآثر، هي ذات عدم الحصافة والكياسة (الحمدوكية) التي من حيث أراد تمجيد كشة جعلت الإساءة تحاصره بالرغم من عدم رضانا عنها على الأقل لأنه مات وأفضى إلى ما قدم وصار بين يدي ربه؛ فنحن من أمة تمجد محاسن الميت وتترفع عن الإساءة إليه وإن بدت ؛هذه الإساءة مسؤول عنها حمدوك قانونياً وأخلاقيًّا ؛ فلو كان حصيفًا كيِّسًا لما وضع أسرة كشة في هذا الموضع الأليم وهي تتأذى من حجم الهجمة الشرسة على ابنها التي انتاشته ونالت منه.
نعم يثبت كل مرة هذا الحمدوك عدم توفره على الحد الأدنى من مقومات منصب دولة رئيس مجلس الوزراء والتي من أهم شروطها مراعاة مسايرة الرأي العام واحترام قدرته على المتابعة والمراقبة في بلد يتنفس الناس سياسة ويتفاعلون مع الأحداث ومجرياتها بذكاء مفرط و موضوعية وسداد رأي ومن حسن الطالع أن الرجل سيغادر الموقع هو وحكومته قريبًا بعد أن أحدث شرخًا في جدار المجتمع السوداني ليس من المتصور علاجه وبعد أن فرض خطابًا من الكراهية أصبحت لغة معتادة وقضت على بقية من خصال كريمة كانت السمة الغالبة لأهل السودان أنه شعب متسامح وكريم.
تبًّا لكل لحظة هو قابع بيننا يحكمنا فيها بلا مسوغ ولا تفويض ولا أخلاق، أخي الشهيد علي عبدالفتاح يوم التقيتك في جوبا تعاهدنا ألا تسقط الراية ولا تنتكس نم مطمئنا فكتائب الزحف الأخضر تحركت تستأنس بذياك النشيد.