سينما برمبل والدرس المستفاد للقحاتة وصبية اليسار

بقلم: عادل عسوم
تعد سينما برمبل من اوائل دور السينما في ام درمان ان لم تكن اولها، لقد تأسست علم 1946 على يد مواطن سودانى من اصول قبطية هو قديس عبد السيد.
حرص الرجل على تسميتها باسم برمبل وهو مفتش بريطاني لامدرمان منحه التصديق بانشاء دار للسينما في ميدان البوسته الحالي، والميدان كان مسرحا مفتوحا تؤمه الفرق الموسيقية لتقديم عروضها علي الهواء.
ولكن جابه هذا الاسم اعتراضا ورفضا من السودانيين لكونه في نظرهم يرتهن ويرسخ لاحتلال لم يقبلوا به منذ اول يوم، بل قدموا آلاف الشهداء في سبيل صده، وتأكد للناس من خلال نوع الأفلام التي ظلت سينما برمبل تعرضها على شاشتها القماشية وقد كانت كلها انجليزية دون ان تتخللها أي أفلام عربية بأن صاحبها متواطيء مع المحتل.
فتعالت الدعوات إلى تغيير الاسم، واقترح له جل من تحدثوا معه بأن يسميها باسمه هو اذ يصبح ذلك مرحب به من جميع السودانيين، لكنه رفض ذلك، وسانده في ذلك احد تجار الافلام واسمه عمانويل ليكوس.
وتتدحرجت كرة الثلج لتصبح اشكالية التسمية احدى الاجندات الأولى لمؤتمر الخريجين، فشرعوا في الدعوة إلى تكوين شركه وطنيه للسينما، استقطبوا لها الكثير من اصحاب رأس المال الوطني، مثل شركات ابو العلا، والشيخ مصطفى الامين، ويونس احمد، وعبد المنعم محمد، ومحمد احمد البرير وسواهم.
وتم إنشاء دار جديدة للسينما اسموها السينما الوطنية لتنافس سينما برمبل ردا علی قديس عبدالسيد وعمانويل ليكوس، وبدأت السينما الجديدة في عرض اﻻفلام العربيه بكثافة، اضافة إلى قليل من الافلام اﻻنجليزيه.
ولم تكن سينما برمبل السينما الوحيدة التي تعنى بعرض الأفلام الانجليزية، انما شاركتها سينما كولوزيوم التي انشئت معاصرة لها (تقريبا)، وكذلك سينما النيل اﻻزرق التي اقيمت اصلا للترفيه عن الجنود البريطانيين والموظفين اﻻنجليز في معسكرات الجيش البريطاني.
وذلك يدل بأن الاعتراض على سينما برمبل قد كان بسبب الاسم في المقام الأول، ونجحت السينما الوطنيه في المواجهة، فسعت سينما برمبل الى عرض بعض الأفلام العربية عشما في اعادة المشاهدين ولكن دون جدوى، إنه الحس الوطني السوداني، إنه الشعب الذي قدم للتأريخ مهيرة بت عبود وعبدالقادر ود حبوبة وكاسر قلم ماكميل انتهاء بثوار اللواء الأبيض.
وتتالى انشاء افرع للسينما الوطنية في ام درمان وبحري والخرطوم جنوب والخرطوم غرب ولحقتها سينمات اخرى، وتوقفت سينما برمبل تماما بينما ظلت دور سينما اخرى انشأها اقباط سودانيين تعمل ويعمرها السودانيون وذلك لحرص اصحابها على عدم تكرار خطأ قديس عبدالسيد في التسمية.
منهم فكتور عيسى صاحب سينما الجيش وهو ايضا مالك مقهي اتنيه المعروف في الخرطوم، وجورج عبدالمسيح صاحب سينما العرضة في امدمان.
لقد كان يمكن للسيد قديس عبدالسيد أن يبقى مسيطرا على سوق السينما لو قبل بنصح من حوله وابدل التسمية، لكنه لم يفعل فكانت النهاية.
وهاهي قحت تكرر ذات الخطأ الذي ارتكبه قديس عبدالسيد، إنه ذات الرهان على الـ(خواجات)، بدءا من (مهزلة) الخطاب الذي تم ارساله من حمدوك وطالب فيه برهن ارادة السودان إلى كل ماهي ودب من المنظمات الدولية.
فإذا بالسودان يرزح الآن تحت حكم لايختلف كثيرا عن حكم بول بريمر الامريكي للعراق!، انه يخضع الآن لحكم الالماني فولكر بيرتيس مؤلف كتاب (نهاية الشرق الأوسط الذي نعرفه)،
واذا بالسفارات (تتم الناقصة) وقد شرع سفراء عدد منها بجعل (البساط احمدي) منذ ان افترشوا الأرض أمام مبنى القيادة العامة خلال الاعتصام الأول، ومافتئت علائقهم بالعديد من قيادات قحت تترى.
ومنهم ناشطين من صبية اليسار اصبحوا بـ(قدرة قادر) قيادات سياسية وبعضهم استوزر!، منهم من قال دون حياء ودون ان يطرف له جفن بأنهم سيذهبون إلى كل ابواب السفارات ويطرقونها ليقوم السفراء بالـ(واجب) لجعلهم حكاما للسودان.
علما بأن صبي آخر من صبيتهم كان قد قال (بعضمة لسانه) بأن الانتخابات (مابتجيبنا)، معضدا عزم رفيقه هذا في مواصلة الطرق على ابواب السفارات لاعادتهم إلى الحكم، انهم يسعون للاستقواء بالسفراء والمنظمات الدولية دون اعتبار لوطنية.
ودونما حرص على اسرار الوطن، ودون أي اعتبار لذهنية ووجدان الشعب السوداني الرافض (جبلة) للتدخل الأجنبي، لعمري انا قد بلينا بأناس لاكرامة لهم، ولاشهامة، ولاوطنية، ففيهم من اعترف عيانا جهارا بانه خان الوطن وتسبب في الحصار على أهل السودان!، وهم فوق ذلك لايقرأون التأريخ القريب ولايفيدون من دروسه.
سينما برمبل التي اتخذت من اسم المفتش الانجليزي اسما لها انفض عنها السودانيون عندما اصر قديس عبدالسيد على الاسم المرتهن بالمحتل (ولا أقول المستعمر).
وفي مطلع الستينيات في عهد عبود تم هدم سينما برمبل لتحل محلها حديقة جميلة تتوسطها نافورة ضخمة، وعلى أبواب الحديقة الأربعة وُضعت لافتات كُتب عليها (أحكموا علينا بأعمالنا.. عبود).
وهاهي قحت (المركزي) تتهاوى، وبحول الله ستذهب ريحها، وسيرى أهل السودان قريبا حديقة (الانتخابات) وارفة ظليلة، وستتعالى نافورة جميلة لتغسل من اذهان العديد من صغار السن الكثير من المفاهيم والهتافات التافهة التي أملتها عليهم واجهات اليسار، ستصبح قحت (الأولى) ك(عاد) الأولى دون رجعة ان شاء الله.