إبراهيم عثمان يكتب: كفرنا ولم نجدكم!

 

تجد حكومة القحط صعوبات كبيرة في طريقها نحو العلمانية، فذلك طريق وعر ملئٌ بالمطبات والحسابات الدقيقة والمواءمات المستحيلة، فهناك القناعات القحطية العلمانية الأصيلة، وهناك أمريكا التي تريد قحت أن تحصل منها على ثمن هذه القناعات، وهناك رأي عام تخشى سخطه.. لتحقيق معادلة إرضاء الطرفين لجأت قحت إلى سياسات الصدمة والتطمين والخم؛ الصدمات لمخاطبة الغرب أساساً مع جس نبض الرأي العام الداخلي، والتطمين لتخدير الرأي العام الداخلي، والخم لمحاربة الدين وإلغاء الشريعة تحت ستار “بل الكيزان”. ولذلك كانت صدمة المرايس، وعبادة الأصنام، وسيداو، و”ستموت في العشرين” الذي تبناه القحاطة، والحنين إلى المهاجرين اليهود دون سائر المهاجرين القدامى .. إلخ. وبالموازاة كانت لغة التطمين ومراعاة مشاعر المسلمين، فكانت قحت تداري وتوارب وتضمِّن، وتميِّع وتعكر المياه وتعيد التسمية، وتشوِّش وتفتصب الوعي، وتتقدم خطوة ثم تتراجع أحياناً تحت وطأة مفاعيل الفضيحة، وصدمات العلمانية، وحتى بعض تطميناتها، بطبيعتها فضائحية. وكانت أيضاً سياسة تجفيف المنابع المستندة على الخم والإستثمار في خطاب الكراهية تحت شعار البل ليتم إغلاق الجمعيات الخيرية والمدارس والقنوات الإسلامية وليتم “تطهير” المناهج من القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة .

بين الصدمات والتطمينات والخم تحاول قحت أن تمرر رسالة ضمنية ماكرة مفادها : الغرب علماني “كافر” ولذلك تقدم وتطوّر، لأن علة التخلف هي الدين، والغرب تسوده قيم النزاهة والشفافية والحكم الرشيد وذلك بسبب طرده للدين من المجال العام، وتحن – كقحاطة- نشبه الغربيين في الموقف من دور الدين، نحن كفار إلا ربع، لا بل نحن المسلمين الحقيقيين فالمسلم الحقيقي أصلاً كافر إلا ربع، ولذلك توقعوا منا أن ننجز كما أنجز “الكفار” فالنجاح قرين “الكفر”، والنزاهة و”الورع” قرينا العلمانية، ولهذا السبب نتابع جميعا بعض الفواصل التمثيلية الكوميدية عن ورع المسؤولين القحاطة لا سيما المغالين في عداوتهم للشريعة.

من نتائج العك العلماني المباشرة كوميديا المفاوضات مع المتمردين، و”الخلافات” حول العلمانية وكأن العلمانية غير موجودة!.. وما يبدو كممانعات من الطرف الحكومي وكأن الإنقاذ (لم تسقط بعد) ! بينما الحقيقة الواضحة هي أن قحت والمتمردين لا يختلفان في المناداة بالعلمانية. الأمر الذي يجعل جوهر الخلاف بين المتمردين والقحاتة ينحصر في الإعلان والتصريح والتسمية ومعدّل سرعة العلمنة. قحت مشغولة بعدم خسارة الجمهور المخموم غير المنتمي لأي من أحزابها، ولذلك تريد العلمانية دون تسميتها باسمها الذي تعلم سوء سمعته، وتريد دستوراً علمانياً لكن لا ينص على العلمانية صراحة، على الأقل في هذه المرحلة. وترى أن التدرج هو الخطة المثلى لتطبيق مستدام للعلمانية. سننتظر نهاية المسرحية ونرى اقتراحات الوسطاء لردم الفجوة بين علمانية القحاطة وعلمانية المتمردين !

إذن ضمن حدود خطة البل والتسويق الحذر للعلمانية والصدمات المحسوبة، لم تترك حكومة حمدوك شيئاً ظنت أنه يرضي اليهود والنصارى في الغرب ويقنعهم بأنها تسير حثيثا في الطريق نحو التماهي مع ملتهم ولم تفعله ( لا أدري لماذا لم تختار وزير أوقاف وثني، أو مسيحي، أو حتى يهودي يعود من الخارج منع جموع الوزراء العائدين، فذلك كان أدعى لتوصيل هذه الرسالة وكان سيجنبها شتارات الوزير المسلم الذي يقوم بهذا الدور. .. وقطيع قحت لم يكن ليمانع) .. لم تجد قحت سنداً حقيقياً من كل من شاترت وهاترت وصدمت من أجل الحصول على دعمهم. ولم يرضَ عنها الأمريكان تمام الرضا، واشترطوا مزيداً من الصدمات ودفع التعويضات حتى يصلوا معها إلى مرحلة رفع العقوبات، أما الدعم، لا سيما المالي، فهو أمر بعيد المنال.. والمنظمات الكنسية الغربية قالت : جيد، لكنه غير كافٍ. والمتمردين قالوا : لا لدغمسة العلمانية والخجل منها وتمريرها بالحيلة. وكان مبلغ ربحها من هؤلاء جميعاً هو مجرد عربون رضا محدود ومشروط بالاستمرار في المزيد من الصدمات القولية والفعلية على طريق محاربة الإسلام وإكمال طرده من المجال العام،. فهل ستضطر إلى جرعات “كفر” أكبر لتجد حلفاءها معها يقيلون عثرتها ويساهمون في تغطية عوراتها التي أظهرها الكفوات بمهارة ؟

زر الذهاب إلى الأعلى