حمدوك.. ظالم أم مظلوم؟

بقلم: إبراهيم عثمان
▪️ ظلموه حين أرادوا عبره حل مشكلتهم الخاصة المتمثلة في الرغبة في التمكين الانتقالي المزمن وإبعاد كابوس الانتخابات، فصنعوا الحاجة لملء هذه الفترة الطويلة بوعود الإنجازات التاريخية والعبور والتأسيس، وهذا همٌ ألزموا أنفسهم به بلا ضرورة، فقد كان يكفيهم إحسان التسيير لفترة معقولة، وأسرفوا في الوعود التي لم يسندها أي عمل حقيقي، فعجزوا حتى عن التسيير بحده الأدنى، وجعلوا الرجل يحدث الشعب عن العبور وهو يسير به إلى الخلف بسرعة الصاروخ . فجاء الهتاف ( بالصوت بالصورة حمدوك طلع ماسورة )، وقد صادقوا في تظاهراتهم بعد التوقيع على الاتفاق السياسي على هذا الهتاف، وأضافوا هتافات أخرى من مخزون راسطاتهم في البذاءة .
▪️ ظلموه حين خططوا للإستثمار في تضخيمه، فصنعوا له هالة غير عادية، ورفعوا سقف التوقعات إلى عنان السماء، وهو الرجل العادي الذي لم يكن سياسياً ولا خبيراً ذا تميز استثنائي يجعله مشهوراً قبل عرض المنصب الإنقاذي، وقبل حملة الدعاية القحتية .
▪️ ظلموه حين أوهموا الشعب بوجود مشروع عبور جاهز، وحين جعلوه بعد الشكوى في البداية، من غياب هذا المشروع يعود، إلى الحديث الكثيف عنه وعما سيحققه من عبور تاريخي .
▪️ ظلموه حين لم يغطوا على ضعفه وقلة خبرته السياسية وشخصيته الباهتة التي لا تتمتع بأي كاريزما بكوادر مساعدة كفؤة يصنع كل منها نجاحاً في مجاله، فيساعد في مشروع الحكم الطويل الذي يتطلب إنجازات حقيقية تشرعنه .
▪️ ظلموه حين وضعوه إزاء أداء مسؤوليهم البائس بين خياري مراجعة تعيينهم، أو مراجعة سياساتهم وقراراتهم، فكان التعديل الوزاري الأول الذي أطاح بعدد من الوزراء الفشلة واستثنى فشلة غيرهم، وكانت القائمة الطويلة للمراجعات لأشياء لم يعتاد الناس على هذا المستوى من “العك” فيها : ( مناهج القراي، تعيينات الخارجية، نتائج القبول للجامعات، صلاحيات بعثة الوصاية الأممية بين الخطابين السري الأول والعلني الذي اضطروا إليه بعد انكشاف السر … إلخ).
▪️ ظلموه بالمسؤولين الشرهين للمال العام ( قصص الأموال المصادرة ما بين إدعاءات لجنة التمكين ونفي وزراء المالية المتعاقبين، وتدخلاته للتغطية على ما حدث من تجاوزات فيها، شيرنق علاج شقيقة وزير النقل، إقامة مدير الطيران المدني في السلام روتانا، فضائح الفاخر وزبيدة .. إلخ).
▪️ ظلموه بحملات الشكر التي أصبحت مثار التندر : لتزامن انطلاقها مع بداية الفشل، ولتصاعدها مع تعمقه حين بدأت أعترافات الفشل، ولموتها عندما أصبح الفشل هو أم الحقائق التي يتركز معظم العمل على تغبيشها بالقصص الركيكة.
▪️ ظلموه حين تركوا له مهمة (شيل وش القباحة) أمام الشعب بخصوص قرارات الدوس الإقتصادي التي كانت أحد موضوعات تقيتهم، فجمعوا بين معارضتها الخجولة، وكأنها مشروعه الخاص لا مشروع مجلس الوزراء الذي يمثلهم، والحماس لنتائجها المزعومة، وكأنها هديتهم إلى الشعب السوداني .
▪️ ظلموه حين تركوا له مهمة دوس التشريعات الإسلامية وعلمنة الدولة، بعد تعهدهم القاطع في البداية بأنهم سيؤجلون هذا الدوس، فاستبعدوه من موضوعات الدعاية والتسويق وتركوا له، مهمة تحمل وزر إخلاف الوعد، ولم يسندوه بتبرير ولم يدعموه بدفاع واختاروا تقية الصمت المتواطئ.
▪️ ظلموه حين عرقلوا إكمال المؤسسات لكي تنفرد ثلة منهم بالقرار في غيابها، وحين تحكموا فيه، و حدُّوا من قدراته، الضعيفة أصلاً، على الفعل المنتج، وساهموا بذلك في زيادة ترسيخ صورته الذهنية كأفشل رئيس وزراء في تاريخ السودان .
▪️ ظلموه حين أجهضوا مبادراته الوفاقية التي كانت تهدف إلى تكبير كومهم وتوسيع قاعدة تأييد الحكومة، وهم الذين يسعون الآن إلى تحقيق ذات الهدف بدعواتهم لجبهة عريضة تُلحِق آخرين بقحت بعد أن كانت نادياً مقفولاً أيام الفرعنة السلطوية .
▪️ ظلموه عندما وصفوه بالخائن عند تعامله بواقعية وتفاوضه وتوقيعه للاتفاق السياسي لغرض إنقاذ ما يمكن إنقاذه من تمكينهم وسيطرتهم بعد ثبوت الفشل، وظهر ذلك بوضوح في نوعية اختياراته للمواقع، وها هم الآن يسعون إلى ذات الذي سعا إليه، مع فرق ليس سوى أحلام لا تنهض على أرجل عن إمكانية عودتهم إلى تمكين أكبر من الذي سبق قرارات أكتوبر .
▪️ وظلم نفسه ، وظلم الشعب، حين سايرهم في كل هذا وكثير غيره .