معالم في طريق الإسلاميين «2-9»

بقلم: عادل عسوم
لعل المقال الحالي ومايليه يكون أكثر مباشرة، ويجدر بي ان انوه بأن هذه السلسلة معني بها كل المشتغلين بالإسلام كمنهج حياة وفكر ومصدر تشريع في كل مايلي المسلمين ويصوب حراكهم الدنيوي فقط، والغاية عندما تكون بهذا السمو والنبل يسترخص لأجلها كل شيء وان ثمن، وتلين لشأنها العواطف وان قست، وتتجاوز لها حظوظ النفس وان تلبست لبوس العزة والكرامة.
من المعالم المهمة (القيادة)، ومنهج الاختيار لها، وشروط ذلك، ومحدداته.
الإسلاميون قد اتوا من هذا الباب وذاك كان كعب اخيلهم، وقد ظهر ذلك جليا في حزب المؤتمر الوطني (الذي كان يحكم)، ولعل استعراضا سريعا للعديد من شخوص قيادات العمل (العام والسياسي) لتدل جليا على خلل بائن في أسلوب الاختيار والتعيين، خاصة في العقد الاخير من حكم الاسلاميين
وبلا جدال فإن المقارنة بين شخوص القيادات في العقد الاول وغالب العقد الثاني مع العقد الأخير؛ لتؤكد المباينة وانتفاء المنهج السليم لاختيار قيادات العمل العام والعمل السياسي مؤخرا، ولعل السبب الاساس في ذلك التكالب الشديد على طلب الـ(امارة) وقد نسي الاسلاميون حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال:
دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم أنا ورجلان من بني عمي، فقال أحدهما: يا رسول الله، أمِّرنا على بعض ما ولاك الله، وقال الآخر مثل ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنا والله لا نولِّي هذا العمل أحداً سأله، أو أحداً حرص عليه، متفق عليه.
ولإن تحجج بعض الطامعين والساعين لذلك بقول نبى الله يوسف عليه السلام كما أخبر الله تعالى في قرآنه الكريم: {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ}، فإن يوسف لم يكن طامعاً في المنصب ولا في ثروات مصر، انما طلب المنصب لكونه يرى نفسه (وهو النبي) حفيظ عليما، ولقد أحسن استخدام منصبه وكان خير من تولّاه، فهل كان الكثير من أناسنا في حال يوسف عليه السلام؟!
لعل ماقاله الدكتور الترابي رحمه الله يجيب عن هذا السؤال.
وقد يقول قائل بأن اشتراط نيل درجة الدكتوراة كان شرطا موجبا للاختيار، لكن -وللأسف- حتى هذا الشرط وبالرغم من انتفاء الزامه كشرط؛ قد تسبب في سلب لاتخطئه عين لأن تصبح شهادات الدكتوراة وسيلة للغاية في ذاتها، واضر اسلوب ومنهج الحصول على تلك الشهادات الجامعية كثيرا بها، فكانت المناداة (السليمة) بمراجعة ذلك في كل جامعاتنا.
لاشك أن وهن ضوابط اختيار القيادات قد اتت بشخوص لاتكاد تتبين في سمتهم ولا في اسلوب حديثهم ولا في طرق تعاملهم سمات القيادات الرشيدة المعبرة عن الاسلام.
فالمرء مخبوء ويشي به مايراه الناس عليه ومنه، ولعمري لأن كانت القيادات ممن تربوا في حواضن الجماعات الاسلامية بمختلف واجهاتها لاستصحب القائد منهم ماتعلمه من فقه وحرص على البعد عن الكبر والخيلاء الذي لازم العديد منهم.
فكان سببا لنقمة الناس، ثم اذكت من اوار نار ذلك منابر اليسار الناقم والرافض لدين الله جملة وتفصيلا والمصروف عليها من اموال جاءتهم من الخارج ومن يد لجنة التفكيك، ما كان الولاء من العديد منهم صادقا لله، وكانت الدنيا اكبر هم والشاغل لبعضهم، وازداد الارزال ليصبح التكالب على المناصب مكايدة بين افراد قبيلتين وصلا بقائدين جليلين يحترم الناس عطاءهما الثر، ولكن سكوتهما على الأمر اوهن من خيوط النسيج.
ولإن كانت هناك وضاءات، ومنها قبول قيادات عديدة من خيار قاداتنا بالاقالة من العمل السياسي طاعة لأمر مجلس شورى الجماعة؛ إلا إن مظاهر (بيوت البكا) التي طالت بعض بيوت القيادات وتصريحات بعضهم كانت سلبا بائنا في كاريزما وجوهر تلك القيادات غير الناضجة بمقياس الاختيار الاسلامي الصحيح، وكان ذلك وبالا على الاسلاميين.
قبل ايام قرات للأخت الفاضلة سناء حمد مقالين تنصح فيهما الاسلاميين من القواعد بأن لاينتظروا مبادرات من قيادة الحركة الاسلامية!، وان على القاعدة ان لاتألوا جهدا في المسعى إلى الاحياء والنهوض، أقول للأخت سناء:
نعم يجب على كل اسلامي ان يسعى الى ذلك، ولكن ماكان عليك اغفال ماتسببت فيه القيادات السابقة من اضرار بالقواعد، ويكفي من ذلك عدم الاهتمام بجيل اصبح يعلي من شان اليسار ويردد تفاهاتهم من هتافات وتسود في الكثير منهم مرادات اليسار من سلوكيات!
ولعل الأمر يتعدى ذلك المنهج الذي لم يحسن تنزيل العديد من الرؤى الوضيئة المستنيرة في الاقتصاد الاسلامي، والثقافة، والفن، ومايقدمه التلفاز والمسرح من طرح يقنع هذه العقول الناشئة، ويزاوج بين مافيه عصمة امرها من دين ومناطات حراكهم الحياتي ومراداتهم، يحتاج قيادات الاسلاميين وعلمائهم الى مراجعة حقيقية لكل ذلك ان راموا التأثير على الاجيال الناشئة واقناع الناس بأن الإسلام فيه كل المراد للرقي بالامة مصداقا لقول الله في سورة القصص {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} 77
وللعلم فإن هذا الجيل مهما سعى اليسار إلى التكالب عليه بواجهاته من تجمع مهنيين ولجان مقاومة؛ فإنه فيه من الخير الكثير، وتكفي للدلالة على ذلك جموعهم التي كانت تحتشد لصلاة الجمعة في ميدان الاعتصام الأول، وحينها لم يجد طفابيع القحاتة من بينهم اماما، فاستعانوا بأئمة من ائمة الاسلاميين!!!
لعل الله قد اتى باليسار لحكمة يعلمها، وهي حكمة قد لاتخفى على أهل البصيرة، فلتعكف القيادات المؤمنة حقا بدين الله، التي يهمها ان يكون هو مصدر التشريع، والرافضة لفصله عن الدولة؛ تعكف لتتبين وتتلمس وتقارب، فالساحة بلا جدال لدين الله بعد أن ابان الله لاهل السودان طوية اليسار وظاهرهم.
اعوذ بالله من الشيطان الرجيم
{الذينَ ان مكنهم في الارضِ أقاموا الصلوةَ وءاتوا الزكوةَ وأمروا بالمعروفِ ونهوا عنِ المنكرِ}. الحج41
{وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} الانفال 25