لا تكن طفبوعا

بقلم: عادل عسوم
الطفبوع هو الذي (يتهم) البعض بالتجارة بالدين بينما لاينكر على آخرين رفضهم الاعتراف بدينه مصدرا للتشريع في وثيقتهم الدستورية!.
والطفابيع هم الذين لم ينكروا على وزير التربية والتعليم الشيوعي مطالبته لنساء السودان بأن يتصالحن مع اجسادهن!.
والطفابيع هم من لم ينكر على وزير العدل اعلانه بأن المريسة ليست حرام، ولم يغضبوا لالغائه عقوبة شرب الخمر!.
الطفبوع هو الذي قبل من مدير المناهج الجمهوري قوله بأن سورة الزلزلة (تخوف الاطفال)!.
والطفابيع هم كل من لم يحرك ساكنا عندما اعلنت حكومة حمدوك بأسرها فصل دينه عن الدولة!.
الطفبوع عادة يرد عليك قائلا (نحنا مسلمين بالفطرة)، وان (الدين دا محفوظ من الله).
انها حجته وتبريره حين تسأله لماذا لاتغضب لدينك عندما تنتهك محارم الله، او عندما يصدر قرار حكومي ينافي دين الله؟!.
إنه الفهم الخاطيء لمعنى حفظ الله للدين الذي ورد في الآية الكريمة {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} الحجر9.
الطفبوع يرى بأنه ليس من واجبه التفاعل مع الأحداث التي تحيق -سلبا- بدينه طالما لم تطاله وتنال منه مباشرة!.
فمنهم من يتحجج بقول عبدالمطلب بأنه رب الابل، أما الكعبة فلها رب يحميها.
وللرد على كل ذلك:
الآية التاسعة من سورة الحجر تتحدث عن كلام الله وقرآنه الكريم.
وفيها عهد من الله بحفظ (القرآن) من التحريف دون كتب سبقته قد طالها التحريف.
إذ ليس هناك حفظ تلقائي أو (ميكانيكي) للدين دون أن يكون للمسلم فيه جهد وفعل.
فحفظ الدين لايكون بالتقاعس و(ربّيع اليدين)، وإلا لما خرج الصحابة والتابعين للضرب في الأرض سعيا منهم لنشر دين الله في الآفاق.
ولولا ذلك لما وصلنا الإسلام في السودان ولبقينا على وثنيتتا وبعض من نصرانية وتثليث وكثير من الإشراك بالله.
أما قول عبدالمطلب الذي يحتج به البعض، فإن عبدالمطلب لم يقل ماقال ثم انزوى دون فعل شيء تاركا البيت.
إنما فعل كل مافي وسعه كما روت أمنا عائشة رضي الله عنها:
أورد الزمخشري في الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل في سورة الفيل:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: إن أبرهة أخذ لعبد المطلب مائتي بعير فخرج إليه فجهره وكان رجلا جسيما وسيما.
وقيل: هذا سيد قريش وصاحب عير مكة الذي يطعم الناس في السهل والوحوش في رؤوس الجبال.
فلما ذكر حاجته قال:
سقطت من عيني، جئت لأهدم البيت الذي هو دينك ودين آبائك وعصمتكم وشرفكم في قديم الدهر فألهاك عنه ذود أخذلك.
فقال: أنا رب الإبل وللبيت رب سيمنعه، ثم رجع وأتى باب البيت فأخذ بحلقته وهو يقول:
اللهم إن المرء يمنع أهله
فامنع حلالك
لا يغلبن صليبهم ومحالهم
أبدا محالك
إن كنت تاركهم وكعبتنا
فأمر ما بدا لك
يا رب لا أرجو لهم سواك
يا رب فامنع منهم حماك
والتفت وهو يدعو فإذا هو بطير من نحو اليمن فقال: والله إنها لطير غريبة ما هي ببحرية ولا تهامية.
وفيه أن أهل مكة قد احتووا على أموالهم وجمع عبد المطلب من جواهرهم وذهبهم الجور وكان سبب يساره.
إنتهى ايراد الزمخشري.
أقول:
وبذلك فإن عبدالمطلب لم يتقاعس وهو يرى بيت الله مهدد، إنما فعل مافي وسعه.
بالنسبة لي لا ألوم شيوعيا أو بعثيا او تابعا لفكر محمود محمد طه ان قال أو فعل ذلك.
والسبب أن منهجه اصلا مؤسس على رفض دين الله، ولكن مابال البعض منا يفعل ذلك وهو يرفض الشيوعية وفكر البعث ونهج محمود محمد طه؟!.
فالغضب عندما تنتهك محارم الله واجب، اذ نحن في الأصل لم نخلق الا لعبادة الله انسا وجنا كما قال ربنا جل في علاه:
{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} الذاريات 56.
ومن الغضب لله رد أبوبكر رضي الله عنه–وهو الحليم- على عروة بن مسعود موفد قريش في صلح الحديبية.
(جاهرا في وجهه بالسوء) فنزل في ذلك قول ربنا جل في علاه:
{لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا} النساء 148.
وقال الإمام ابن القيم في زاد المعاد:
وفي قول الصديق لعروة (امصص بظر اللات) دليل على جواز التصريح باسم العورة إذا كان فيه مصلحة تقتضيها تلك الحال.
فكل مسلم منا يا احباب معني بتطبيق الدين في واقع الحياة.
ومن أقام الدين في نفسه فهو يعين على إقامة الإسلام في الأرض، والشريعة فيها واجبات عينية وواجبات كفائية.
فالواجبات العينية تلزم كل مسلم إقامتها كالشعائر التعبدية، لكنها ليست كل الدين.
فالله لم يعلن حريه على العباد في تفريطه بصلاة او صيام أو حج.
انما كان غضبه جل في علاه بسبب أمر اقتصادي مالي بحت وهو الربا:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} البقرة
والواجبات الكفائية لا بد أن تقوم بها الأمة بأجمعها بحيث إذا أخلت بها أثم جميع أفرادها.
حكى لي زميل دراسة في الجامعة من الفلبين، وهو من الطلبة الدارسين في معهد اللغة العربية للناطقين بغيرها في جامعة أم القرى فقال:
كان الشعب الفلبيني بغالبه على ملة الإسلام، وعندما تم احتلال الفلبين شرعوا في إصدار قوانين تبيح التفسخ والانحلال.
وكان تبرير الآباء منا أن (الدين في القلوب)، ثم بدأ المحتل في تغيير المناهج التعليمية، وظل الآباء على قولهم.
وقالوا بٱنهم لن يناهضوا المحتل طالما لم يمنعهم الصلاة، بل كان المحتل يشيد بعض المساجد ويدفع للبعض المال للسفر لأداء فريضة الحج (بخبث وذكاء)!.
قال لي زميلي بأن المنتهي كان نشأة أجيال جديدة كلها متنصرة، عدا ارخبيل ميندناو الذي استعصم فيه أهله بدينهم، ورفضوا كل مساس به وناهضوا المحتل.
بقاء الدين يا أحباب لايكون بالتخاذل والخنوع، إنما بالمدافعة، قال ربنا جل في علاه:
{…وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} البقرة 251.
يقول الشيخ الشعراوي رحمه الله في تفسير هذه الآية:
(الدفع هو الرد عن المراد، فإذا كان المراد للناس أن يوجد شر، فإن الله يدفعه. إذن فالله يدفع ولكن بأيدي خلقه).
لذلك لاينبغي لمسلم أو مسلمة أن يرضى الدنية من دينه، وان تبين للمسلم بأن قرارا ما من السلطات فيه مجانبة لدينه.
ورفض لأمر جاء من الله، ودعوة إلى باطل؛ لا ينبغي السكوت على ذلك، بل الرفض والمدافعة طالما اجمع من هم أكثر دراية بفقه الدين منا بخطل القرار والامر، وإلا فإن عقاب الله سيطال الأمة بأسرها كما قال ربنا:
{وَتِلْكَ الْقُرَىٰ أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا} الكهف
وقال تعالى:
{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ، أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَىٰ أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ، أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَىٰ أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ، أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ ۚ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ، أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِن بَعْدِ أَهْلِهَا أَن لَّوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ ۚ وَنَطْبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ، تِلْكَ الْقُرَىٰ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَائِهَا ۚ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِن قَبْلُ ۚ كَذَٰلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِ الْكَافِرِينَ، وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ ۖ وَإِن وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ} الأعراف
اللهم ولِّ علينا خيارنا، واحفظ السودان من جهل بعض أبنائه ومن كيد الأعداء، انك ياربي ولي ذلك والقادر عليه.