آراء

شهادة المرأة

بقلم: عادل عسوم

خواطر في رحاب سورة البقرة

أرجو شاكرا قراءة هذا المقال/الخاطرة برفقة خاطرة سابقة قوامها الحديث عن المعنى المراد -الذي وقر عندي- لنقص عقل المرأة ودينها كما ورد في الحديث الشريف الصحيح عن نبينا صلى الله عليه وآله وسلم (حديث النساء ناقصات عقل ودين).

وفي هذا المقال/الخاطرة ينعقد الحديث عن شهادة المرأة، ولتفنيد مفهوم خاطيء رسخ عند البعض بكون شهادتها المذكورة في الآية الكريمة التالية تنتقص من قدراتها العقلية وانسانيتها.
يقول الله تعالى في آية ترتهن بالتجارة والدين/المداينة، حيث يأمرنا فيها بكتابة الدين والاحتياط له: {…وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ ۖ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىٰ ۚ} البقرة 282.

هنا ظاهر الآية تجعل من شهادة المرأة نصف شهادة الرجل، وبالتالي شهادة رجل واحد تعدل شهادة امرأتين.

يخطئ من يفهم أمر الشهادة هنا على اطلاقها بكون شهادة المرأة منفردة لايقبل في الاسلام، ليعلم من يفهم هذا الفهم الخاطيء أن التفاوت هنا ليس لنقص إنسانية المرأة أو قدراتها أو كرامتها. بل لأنها بفطرتها واختصاصها لا تشتغل عادة بالأمور المالية والمعاملات المدنية، إنما يشغلها ما يشغل النساء عادة من شئون البيت إن كانت زوجة، والأولاد إن كانت أمًا، والتفكير في الزواج إن كانت أَيمًا.

ومن ثم تكون ذاكرتها أضعف في شئون المعاملات؛ لهذا أمر الله تعالى أصحاب المعاملات التجارية إذا أرادوا الاستيثاق لديونهم أن يشهدوا عليها رجلين أو رجلاً وامرأتين، وعللت الآية الكريمو ذلك بالقول:

{…أن تضلّ إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى…}، بمعنى (ربما) تضل إحداهما، ولم يرد بأن (ستضل قطعا إحداهما)، لو كان ذلك كذلك لأصبح الحكم ملزما بعدم أخذ شهادة المرأة منفردة.

قال ابن القيم رحمه الله: قال شيخنا ابن تيمية رحمه الله، قوله تعالى: {فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى}البقرة 282، فيه دليل على أن استشهاد امرأتين مكان رجل إنما هو لإذكار إحداهما الأخرى إذا ضلت، وهذا إنما يكون فيما يكون فيه الضلال في العادة، وهو النسيان وعدم الضبط، وإلى هذا المعنى أشار النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال:

(وأما نقصان عقلهن: فشهادة امرأتين بشهادة رجل)، فبين أن شطر شهادتهن إنما هو لضعف العقل لا لضعف الدين، فعلم بذلك أن عدل النساء بمنزلة عدل الرجال، وإنما عقلها ينقص عنه، فما كان من الشهادات لا يخاف فيه الضلال في العادة لم تكن فيه على نصف رجل، وما تقبل فيها شهادتهن منفردات، إنما هي أشياء تراها بعينها أو تلمسها بيدها أو تسمعها بأذنها من غير توقف على عقل، كالولادة والاستهلال، والارتضاع، والحيض، والعيوب تحت الثياب، فإن مثل هذا لا ينسى في العادة ولا تحتاج معرفته إلى إعمال العقل، كمعاني الأقوال التي تسمعها من الإقرار بالدين وغيره، فإن هذه معان معقولة، ويطول العهد بها في الجملة

انتهى.

ومثل ذلك ما ذهب إليه كثير من الفقهاء الذين لم يعتبروا شهادة النساء في الحدود والقصاص بعدًا بالمرأة عن مجالات الاحتكاك ومواطن الجرائم والعدوان على الأنفس والأعراض والأموال، فهي إن شهدت هذه الجرائم كثيرًا ما تغمض عينيها، ويصعب عليها أن تصف هذه الجرائم بدقة ووضوح، لأن أعصابها لا تحتمل التدقيق في مثل هذه الحال.

ويرى ذات الفقهاء الأخذ بشهادة المرأة (وان منفردة) فيما هو من شأنها واختصاصها، كشهادتها في الرضاعة والبكارة والثيوبة والحيض والولادة، ونحو ذلك مما يختص بمعرفته النساء.

ومن الفقهاء من يرى الأخذ بشهادة النساء -حتى- في الجنايات ولكن في المجتمعات التي لا يتواجد فيها الرجال عادة مثل حمامات النساء، والأعراس، وغير ذلك مما اعتاد الناس أن يجعلوا فيه للنساء أماكن خاصة.

فإذا اعتدت إحداهن على أخرى بقتل أو جرح أو كسر، وشهد عليها شهود منهن، فهل تهدر شهادتهن لمجرد أنهن إناث؟ أو تطلب شهادة الرجال في مجتمع لا يحضرون فيه عادة؟ الصحيح أن تعتبر شهادتهن ما دُمْنَ عادلات ضابطات واعيات.

وللعلم هناك موضع تكون فيه شهادة المرأة (أكبر) وأرجح من شهادة الرجل، ذكر الله تعالى ذلك حين اتهام زوج لزوجه بالخيانة الزوجية، وفى هذه الحالة إن شهد الرجل خمس مرات بالخيانة وشهدت المرأة نفس عدد المرات بأنها لم تخنه (فيما يسمى بالملاعنة) فإن شهادتها تفوق شهادته ويُأخذ بها.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
{وَٱلَّذِينَ يَرۡمُونَ أَزۡوَٲجَهُمۡ وَلَمۡ يَكُن لَّهُمۡ شُہَدَآءُ إِلَّآ أَنفُسُهُمۡ فَشَهَـٰدَةُ أَحَدِهِمۡ أَرۡبَعُ شَہَـٰدَٲتِۭ بِٱللَّهِ‌ۙ إِنَّهُ ۥ لَمِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ (6) وَٱلۡخَـٰمِسَةُ أَنَّ لَعۡنَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡهِ إِن كَانَ مِنَ ٱلۡكَـٰذِبِينَ (7) وَيَدۡرَؤُاْ عَنۡہَا ٱلۡعَذَابَ أَن تَشۡہَدَ أَرۡبَعَ شَہَـٰدَٲتِۭ بِٱللَّهِ‌ۙ إِنَّهُ ۥ لَمِنَ ٱلۡكَـٰذِبِينَ (8) وَٱلۡخَـٰمِسَةَ أَنَّ غَضَبَ ٱللَّهِ عَلَيۡہَآ إِن كَانَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ (9)} النور.

والإسلام في هذا الأمر يأخذ بشهادة المرأة ويعليها على شهادة الرجل في أمر يعتبر من ضمن الحدود (حد الزنا للمحصنة وهو الرجم حتى الموت، وهو أمر أكثر خطورة بمراحل وأهم من موضوع التجارة وكتابة الديون!.

والشهادة ان كانت من رجال أو نساء تؤخذ عادة في المحاكم، حيث يسعى القاضي إلى سماع الشهود.

والآن هناك محامون يكونون وكلاء لاصحاب القضايا، وهؤلاء يقومون على الشهود، فيتحاور القاضي معهم حتى يتبين هل يتذكر الشاهد الوقائع التي يشهد بها ومدى الصدق فيها.

ومن قبل ذلك يتبين القاضي هل الشاهد من أهل العدالة وجدير بالأمانة أم لا، وان كان قد ثبت عليه من قبل طعن أم لا، وكذلك ان كانت لديه خبرة في الأمر محل التقاضي ان كان تجارة او توثيق لدين.

وهنا وفي زمننا هذا قد يكون الشاهدة متحصصة في القانون، وهناك نساء درسن الاقتصاد والتجارة والبيوع، وهناك سيدات أعمال، وقد يكون الشاهد الرجل ليست لديه خبرة في التجارة أو قد يكون أميا لايعرف الكتابة ولا القراءة.

هنا من حق القاضي تغليب خبرة المرأة الشاهدة ان استوثق من عدالتها فيأخذ بشهادتها (منفردة) في القضية المعينة دون شهادة الرجل، فالأمر كله متروك للقاضي عند تقدير الشهادة، فإذا تعادل الرجل والمرأة في كل شيء فمن جرب العمل في المجال المعين تكون شهادته أرجح، وقد يحتاج مجال بأن يؤكد أحد الذكور آخر.

وأيضا قد تكون الشاهدة طبيبة نساء وولادة فتعرف عندئذ هل ولد الجنين ميتا أم ولد ثم مات بعد فترة، وهذا يترتب عليه تفاصيل في أنصبة الميراث، وقد كان نبينا صلى الله عليه وآله وسلم عند أداء الشهادة يقيم ويحكم على الخصوم وان كان أحدهم ألحن بحجته من الآخر.

فهو صلى الله عليه وآله وسلم لا يعلم إلا الظاهر، وقد يقع الظلم على طرف بسبب شاهد رجل كان أو امرأة، لذلك أنذر الشهود بالعذاب الشديد يوم تقوم الساعة وتنصب الموازين بالعدل بين يدي الله.

وإلى اللقاء ان شاء الله في المقال/الخاطرة 28 بحول الله وتوفيقه.

زر الذهاب إلى الأعلى