طاعة الله بالفرح

بقلم: عادل عسوم

حوار الأصول الخمسة مع الألماني ك. هاناماير

يسعى أعداء الإسلام إلى اتهامه ودمغه بأنه يمجد الموت ويدعو إليه وليس فيه اقبال إلى الحياة بل ادبار وان مساحة الفرح فيه صغيرة جدا.

وللأسف ينساق البعض منا إلى ذلك إما بجهل منهم بهذا الدين أو انسياقا خلف مناهج اليسار والعلمانيين الرافضين لحاكمية هذا الدين الخاتم. 

يقول العلمانيون أن طاعة الله في كل الأديان يغلب عليها التعسير لا التيسير، وأنها مرهونة برهق أداء الشعائر، ويكتنفها تعب البحث عن الحِلْ والحرمة وفي ذلك تقييد وحجر على الحرية.

بالطبع قد يصح ذلك في أديان ومناهج تضررت نتاج تغول البشر على أصولها، لكنهم إن درسوا الإسلام وتبينوه لوجدوه بغير ذلك تماما.

لقد كان ذلك مثار نقاش بيني وبين أحد رؤساء الأقسام في شركة ألمانية اسمها Western Research، مقرها مدينة صغيرة لا تبعد كثيرا عن فرانكفورت إسمها إدًر سايم.

اعتدت زيارة تلك الشركة كثيرا فتوثقت علاقتي بجل موظفيها، والرجل إسمه ك. هاناماير، اجتمعنا على مائدة العشاء في مطعم بالجوار في معية 4 ألمان من منسوبي الشركة.

وللرجل احترام كبير تبينته في تعامل كل منسوبي الشركة معه، وعلمت بأنه يشغل موقعا مرموقا في الكنيسة، كان يملؤه كره غريب للإسلام!.

ولحسن حظي بدأ نقاشنا بخبر عن انتحار لشاب في الليلة السابقة، هذا الشاب عمل لفترة في ذات الشركة ويعرفه موظفوها.

شرع هاناماير في الحديث عن الإسلام بكونه دين دموي لايدعو للإقبال على الحياة، وبينه وبين الفرح ورفاه النفس البشرية بعد المشرقين!. 

رددت عليه قائلا:
أترى الشاب الذي انتحر، هل عليه عقوبة لو قدر لانتحاره ان لا ينجح؟. 

– لا بالطبع.
– لماذا؟
– لأنه حر، ومن حقه فعل ما يشاء طالما هذه رغبته ولم يسع للإضرار بسواه. 

قلت له:
– هل تعرف أن الإسلام يحرص- بل يلزمنا- بحفظ خمس أشياء يسميها الكليات أو الأصول أو الضرورات الخمس، وهي (النفس والعقل والنسل والمال والدين).

وكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكل ما يفوت هذه الأصول فهو مفسدة ودفعها مصلحة، والحفاظ عليها من أسباب استقامة مصالح الدنيا والعباد.

ويكون الحفاظ على النفس والعقل بعدم فعل اشياء أثبت العلم ضررها، ومن ذلك تعاطي المخدرات وشرب الخمر، وغير ذلك من الموبقات، ويحاسب المسلم إن سعى إلى فعل ذلك أو تسبّب في اهلاك نفسه.

رد الرجل قائلا:
– أليس في ذلك حجر على الحريات؟. 

– الإسلام لاينظر للنفس البشرية بأنها ملك لصاحبها، بل هي ملك لخالقها، ومن يضر بعقله أو نفسه كأنما أضر بنفس بشرية أخرى، ثم قلت له:

– ألا تسعى الدولة هنا في المانيا إلى منع الأبوين من الإضرار بطفلهما ويسمى ذلك بالانجليزية بالChild abuse، وتعاقبهما ان سعيا إلى التسبب في الإضرار به؟.

تشاغل الرجل بمافي يده ثم سعى إلى تحويل مسار النقاش قائلا:
– لكن الإسلام انتشر بحد السيف وارغام الناس؟!. 

رددت عليه:
لان جاء الاسلام لينشر بالسيف؛ لماذا نجد العديد من البلدان التي فتحها قد بقي العديد من أهلها على دينهم؟!. 

كالأقباط في مصر مثلا، والعديد من المسيحيين واليهود في جل الدول التي دخلتها جيوش المسلمين؟!. 

ثم ذكرته بأن المسلمين الأول ظلوا يعذبون في رمضاء مكة لسنوات وحينها لم يكن الله قد أذن لنبينا صلى الله عليه وآله وسلم بالقتال -حتى- دفاعا عن أولئك فمات عدد منهم بسبب التعذيب.

وبعد الإيذان من الله بالقتال وجدوا انفسهم وسط قبائل وشعوب وحضارتين كلهم محدقون بالإسلام وأهله، وكانت الحرب معهودة في تلك الأزمان.

وطلبت منه قراءة ماذا كتب المسلم الفرنسي الدكتور روجيه/ رجاء جارودي رحمه الله عن أدب القتال في الإسلام وماذا كانت تفعل جيوش المسلمين خلال قتالها ائتمارا بدينها من عدم قتل لكبار سن او امرأة أو طفل، وعدم تعذيب للأسرى في وقت لم تكن فيه قواميين أمم متحدة ولا هيئة أمم!.

ثم تطرق إلى نهج الإسلام في الميراث باعتباره ظالم للمرأة كما يراه، وبأنه يؤدي إلى تركيز المال في أيدي الرجال وبالتالي يكون ذلك سببا لتعاسة النساء.

رددت عليه بأن أصل النظرية الاقتصادية في الإسلام أن لايكون المال (دُوْلَة) في يد فئة ما، لذلك حرم الربا، وشرع الله الميراث بحيث يزداد نصيب الوارث بناء على كونه مستقبل للحياة ويقل نصيب المستدبر لها.

ومن هنا كان تقديم الإبن على الأب، وقد يقول قائل كيف يقدم ابن الميت على أب الميت والأب هو صاحب الفضل على ابنه وليس العكس؟!، وصاحب الفضل أولى ممن لا فضل له.

والرد على ذلك أن الابن ادعى للإقبال على الحياة لصغر سنه بعكس الأب. ثم جاءت النصوص المتعددة في الإسلام تحث على البر بالوالدين وحسن التعامل معهما ووجوب البر بهما عند كبر سنهما ومرضهما.

وعن المرأة أوضحت له تفاصيل القوامة وإلزام الرجل بالصرف على الأسرة وان كانت الزوجة غنية. 

وكانت معنا مسؤولة إدارية ستينية لم تشارك في النقاش، لكنها كانت تتابعنا بحرص شديد، وهي بطبعها هادئة الطبع وصَمُوتَة.

قالت لي بعد انقضاء الاسابيع الثلاثة وخلال وداعي لبعض الموظفين المباشرين كل على حدة في مكاتبهم؛ إنها استفادت كثيرا من نقاشي مع هاناماير، وأنها مهتمة كثيرا بالإسلام منذ سنوات، وبحمد الله هداها الله للإسلام بعد ذلك بعام.

الإسلام يا أحباب دين يدعو إلى الفرح والسرور، وهناك العشرات من الآيات في كتاب الله تدعو وتحث المسلم إلى الفرح بحسبانه موئلا للطاعة، وسببا مهما لنيل رضوان الله.

بل جعل الله الابتسامة في وجوه الناس صدقة، وجعل سرور تدخله إلى قلب مسلم من أحب الأعمال إلى الله.

وجعل جبر الخواطر مدعاة لحب الله ورضاه، وجعل السعي في حاجة الناس يفضي بفاعله إلى الاستظلال بظل الله يوم لاظل إلا ظله. 

وها هو العيد يقبل علينا ان شاء الله والشهر الفضيل يلملم اطراف ثوبه الأبيض الناصع البياض مؤذنا بالرحيل. 

والعيد موسم لطاعة الله بالفرح، قالت أمنا عائشة رضي الله عنها:

(إن الحبشة كانوا يلعبون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقوا في يوم عيد، فاطلعت من فوق عاتقه، فطأطأ لي منكبيه، فجعلت أنظر إليهم من فوق عاتقه حتى شبعت ثم انصرفت).
متفق عليه

وقال ابن القيم رحمه الله؛ كان صلى الله عليه وآله وسلم يلبس لهما أجمل ثيابه، وكانت له حلة يلبسها للعيدين والجمعة، وكان ابن عمر رضي الله عنهما يغتسل للعيدين.

والعيد حري به أن يكون مناسبة لإنهاء الخصومات بين الناس، فخير المتخاصمين من يبدأ رفيقه بالسلام، ولعل الحال الآن أنسب لذلك لانتفاء اللقاء المباشر بسبب هذه الجائحة، فيمكن للمتخاصمين التواصل بالوسائط والصوت عوضا عن الاضطرار إلى اللقاء وجها لوجه.

وإثم الخصومة يزداد ويعظم أكثر عندما يحدث بين الأرحام ويطول، فقد عدّ الإسلام صلة الرحم بالواجبة، وحرّم القطيعة وجعلها من الكبائر التي تُدخل صاحبها النار.

بل وصل الأمر إلى أنَّ من وصل رحمه وصله الله ومن قطع رحمه قطعه الله!.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}النساء1.

كم ينسى الرجال أخوات وشقيقات بمدعاة أنهن أصبحن في عصمة رجال آخرين، وقد يكون للزوجات هداهن الله بصمة في انقطاع الأشقاء عن شقيقاتهم، فلنتذكرهن يااحباب، فكم فيهن النبيلات اللاتي تحسبهن أغنياء من التعفف كما قال ربنا.

وللوالدين حق علينا أحياء كانا أم أمواتا، فكم يضار البعض منا في الدنيا قبل الآخرة بسبب عقه لهما دون أن ينتبه.

واختم بالتذكير بزكاة الفطر، فهي طهرة للصائم، وفيها جبر للخلل الذي وقع في صومنا كما يجبر سجود السهو الخلل الواقع في الصلاة:

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (فرض رسول الله زكاة الفطر طُهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين. من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات).

وادعوكم ونفسي لصيام ست من شوال فإن صيامها من بعد صيام يعدل أجر صيام الظهر كما قال نبينا صلى الله عليه وآله وسلم.

اللهم بلغنا العيد واعده علينا بالسرور والرضا وتفريج الكربات وتحقيق الأمنيات، سنين عديدة وأزمنة مديدة.

اللهم احفظنا بحفظك ومن نعول بفضلك وعونك، واكتب وأدم علينا الأفراح دوما ياقادر ويارحمن يارحيم، وصلي اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد وآله عدد ما سبح لك من حي وجماد.

كل عام وأنتم بخير، وجعل الله كل أيامنا أعيادا ياااارب.

زر الذهاب إلى الأعلى